نام کتاب : سراج الملوك نویسنده : الطرطوشي، أبو بكر جلد : 1 صفحه : 146
عليه وسلم وقال: مروا له ولم يكلمه بكلمة. وقال أنس: نظرت إلى عنق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جبذه، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ثم أمر له بعطاء.
وروى أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد املأ لي هذه تمراً وسويقاً فإنك لست تعطي من مالك ولا من مال أبيك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعد علي ما قلت، قال فأعاد كلامه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت املئوا له تمراً وسويقاً لست أعطي من مالي، إنما هو من مال الله عز وجل. وروى معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: حسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل. واعلموا أن الخلق الحسن أفضل مناقب العبد، وبه تظهر جواهر الرجال والإنسان مستور بخلقه. ألا ترى أن الله تعالى خص نبيه صلى الله عليه وسلم بما خصه به من الفضائل، ثم لم يثن عليه بشيء من خصائله بمثل ما أثنى عليه بخلقه. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)
قال: لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله عز وجل. وقيل: لا يؤثر فيك جفاء الخلق بعد معرفتك بالله تعالى.
قال المحاسبي: حسن الخلق كظم الغيظ وإظهار الطلاقة والبشر إلا لمبتدع أو فاجر، إلا أن يكون فاجراً إذا انبسطت إليه استحق وأقلع، والعفو عن الزالين إلا في أدب وإقامة حسد، وكف الأذى عن كل مسلم ومعاهد إلا لتغيير منكر أو أخذ مظلمة لمظلوم؛ فهذا من حسن الخلق. وقيل: حسن الخلق أن لا تغير ممن يقف في الصف بجنبك. وقيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت حسن الخلق؟ فقال: من قيس بن عاصم المنقري، قال بينما هو ذات يوم جالس في داره إذ جاءته خادم له بسفود عليه شواء حار، فسقط من يدها فوقع على ابن له فمات فدهشت الجارية فقال: لا روع عليك، أنت حرة لوجه الله تعالى! وقيل: جاءت جارية لأبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقصعة من ثريد تقدمها إليه، وعنده قوم فأسرعت بها فسقطت من يدها فانكسرت فأصابه وأصحابه مما كان فيها فارتاعت الجارية عند ذلك فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالى، لعله أن يكون كفارة للروع الذي أصابك! وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا رأى أحداً من عبيده يحسن الصلاة يعتقه، فعرفوا ذلك من حسن خلقه فكانوا يحسنون الصلاة مراآة وكان يعتقهم فقيل له في ذلك فقال: من خدعنا في الله انخدعنا له! وقال الفضيل: لو أن رجلاً أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين. وكان المحاسبي يقول: فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن القول مع الأمانة، وحسن الإخاء مع الوفاء. وقال الجنيد: أربع ترفع العبد إلى أرفع الدرجات: الحلم والتواضع والسخاء وحسن الخلق، وهو كمال الإيمان وقال الكتاني الصوفي: حلق ما زاد عليك في الخلق يزيد عليك في التصوف، وقيل حسن الخلق تحمل أثقال الخلق. وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: عنوان الشرف حسن الخلق.
وكان عبد الله بن محمد الرازي يقول: حسن الخلق استصغار ما منك واستعظام ما إليك. وقال سهل بن عبد الله: حسن الخلق أن لا تطمع فيما ليس لك، وليس بهذه الصفة أحد إلا الله عز وجل. وقال شاه الكرماني: علامة حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤن، وقيل: حسن الخلق أن تكون من الناس قريباً وفيما بينهم غريباً. وقيل: حسن الخلق احتمال المكروه بحسن المداراة. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خالطوا الناس بالأخلاق وزايلوهم بالأعمال وقال يحيى بن معاذ الرازي: سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات. وقالت امرأة لمالك بن دينار: يا مرائي فقال: يا هذه أصبت اسمي الذي أضله أهل البصرة.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق. وروى أن أبا عثمان اجتاز بسكة وقت الهاجرة، فألقي عليه من فوق سطح بيت طست رماد، فتغير أصحابه وبسطوا ألسنتهم في الملقي، فقال أبو عثمان: لا تقولوا شيئاً، من يستحق أن يصب عليه النار فصولح على الرماد لم يجز له أن يغضب. وقيل لإبراهيم بن أدهم: هل فرحت في الدنيا قط؟ قال: نعم مرتين إحداهما كنت جالساً ذات يوم فجاء إنسان فصفعني، والثانية كنت قاعداً ذات يوم فجاء إنسان فبال علي. وكان أويس القرني إذا رأوه الصبيان يرمونه بالحجارة وهو يقول: إن كان فلا بد فارموني بالحجارة الصغار كي لا تدموا ساقي فتمنعوني الصلاة. وسئل سهل بن عبد الله عن حسن الخلق فقال: أدناه الاحتمال للأذى وترك المكافأة، والرحمة للظالم والاستغفار له والشفقة عليه.
وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه دعا غلاماً له فلم يجبه، فدعاه ثانياً وثالثاً فلم يجبه، فقام إليه فرآه مضطجعاً فقال: أما تسمع يا غلام؟ قال: فما حملك على ترك جوابي؟ قال: أمنت عقوبتك فتكاسلت! فقال: امض فأنت حر لوجه الله تعالى. وهذا ترى قوة إلهية يفرغها الله تعالى على المصطفين من عباده وأهل الصفوة
نام کتاب : سراج الملوك نویسنده : الطرطوشي، أبو بكر جلد : 1 صفحه : 146