responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام نویسنده : ابن فرحون    جلد : 1  صفحه : 14
{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ وَأَبْغَضَ النَّاسِ إلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ اللَّهِ رَجُلٌ وَلَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ قَاضٍ عَمِلَ بِالْحَقِّ فِي قَضَائِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَلِمَ الْحَقَّ فَخَانَ مُتَعَمِّدًا فَذَلِكَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ وَاسْتَحْيَا أَنْ يَقُولَ إنِّي لَا أَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ» فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْجَائِرِ الْعَالَمِ، وَالْجَاهِلِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا مَنْ اجْتَهَدَ فِي الْحَقِّ عَلَى عِلْمٍ فَأَخْطَأَ فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» وَبِمِثْلِ ذَلِكَ نَطَقَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] فَأَثْنَى عَلَى دَاوُد بِاجْتِهَادِهِ وَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ بِإِصَابَتِهِ وَجْهَ الْحُكْمِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] .
فَيَجِبُ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي خُطَّةِ الْقَضَاءِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِي الْقِيَامِ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ: الْقَضَاءُ مِحْنَةٌ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَقَدْ اُبْتُلِيَ بِعَظِيمٍ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ، إذْ التَّخَلُّصُ مِنْهُ عَلَى مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ عَسِيرٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ «فَقَدْ ذُبِحَ بِالسِّكِّينِ» وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: مَثَلُ الْقَاضِي الْعَالَمِ كَالسَّابِحِ فِي الْبَحْرِ فَكَمْ عَسَى أَنْ يَسْبَحَ حَتَّى يَغْرَقَ، قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: وَشِعَارُ الْمُتَّقِينَ الْبُعْدُ عَنْ هَذَا وَالْهَرَبُ مِنْهُ، وَقَدْ رَكِبَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَشَاقَّ فِي التَّبَاعُدِ عَنْ هَذَا، وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى فِي الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، وَقَدْ هَرَبَ أَبُو قِلَابَةَ إلَى مِصْرَ لَمَّا طُلِبَ لِلْقَضَاءِ فَلَقِيَهُ أَيُّوبُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالتَّرْغِيبِ فِيهِ.
وَقَالَ لَهُ: لَوْ ثَبَتَّ لَنِلْت أَجْرًا عَظِيمًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو قِلَابَةَ: الْغَرِيقُ فِي الْبَحْرِ إلَى مَتَى يَسْبَحُ وَمَا وَلِيَ سَحْنُونٌ الْقَضَاءَ حَتَّى تَخَوَّفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَرَأَى أَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، فَكَلَامُ أَبِي قِلَابَةَ هَذَا وَمَنْ تَقَدَّمَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ، إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الضَّعْفَ وَعَدَمَ الِاسْتِقْلَالِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ رَأَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ الْمَنْصِبِ وَالنَّاسُ لَا يَرَوْنَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا خَيْرَ فِيمَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِشَيْءٍ لَا يَرَاهُ النَّاسُ لَهُ أَهْلًا، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ

نام کتاب : تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام نویسنده : ابن فرحون    جلد : 1  صفحه : 14
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست