وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى مِمَّا يدل على ذمّ الْبُخْل وَجْهَان
أَحدهمَا استعادة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْبُخْل والكسل وأرذل الْعُمر وَعَذَاب الْقَبْر وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات
الثَّانِي طرده عَن مجاورة رب الْعِزَّة فَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله جنَّة عدن بيدَيْهِ ودلى فِيهَا ثمارها وشق فِيهَا أنهارها ثمَّ نظر إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يجاورني فِيك بخيل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مِمَّا يدل على ذمّ الشُّح وَجْهَان
أَحدهمَا حمله على الْفَوَاحِش الْمُوجبَة للهلاك فَفِي الصَّحِيح عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اتَّقوا الظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقوا الشُّح فَإِن الشُّح أهلك من كَانَ قبلكُمْ حملهمْ على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ
عدم اجتماعه مَعَ الْإِيمَان فِي قلب إِنْسَان فَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجْتَمع غُبَار فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم فِي جَوف عبد مُؤمن أبدا وَلَا يجْتَمع شح وإيمان فِي قلب عبد أبدا رَوَاهُ النَّسَائِيّ
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قيل هما بِمَعْنى وَاحِد وَقيل الْبُخْل بِمَا فِي الْيَد وَالشح بِمَا بيد الْغَيْر قَالَه طَاوُوس وَقَالَ رجل لِابْنِ مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِنِّي أَخَاف أَن أكون قد هَلَكت سَمِعت الله يَقُول {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} وَأَنا رجل لَا يكَاد يخرج من يَدي شَيْء فَقَالَ لَيْسَ بالشح الَّذِي ذكر الله وَلَكِن الشُّح أَن تَأْكُل مَال أَخِيك ظلما وَلَكِن ذَلِك الْبُخْل وَلَيْسَ الشُّح هُوَ الْبُخْل قَالَ الطرطوشي فَفرق بَينهمَا
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قَالَ ابْن قيم الجوزية الْفرق بَين الشُّح والاقتصاد أَن الاقتصاد خلق مَحْمُود يتَوَلَّد بَين عدل الْمَنْع والبذل من حسن الظَّن وَحكمه وضع كل مِنْهُمَا مَوْضِعه وَالشح خلق مَذْمُوم يتَوَلَّد من سوء الظَّن وَضعف النَّفس ويمده وعد الشَّيْطَان حَتَّى يصير هالعا شَدِيد الْحِرْص شَرها فيتولد عَنهُ الْمَنْع لبذله والجزع لفقده قَالَ الله تَعَالَى {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعا}
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة تقدم إِن حِدة الْإِمْسَاك حَيْثُ يجب الْبَذْل وَأَن أشده منع مَا وَجب شرعا ودونه منع مَا وَجب مُرُوءَة وَإِن استقباحه يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال
قلت وشناعة قبحه بِحَسب رُتْبَة السُّلْطَان بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الرذيلة العائدة بشر الْفساد وَيَكْفِي من ذَلِك أُمُور
نام کتاب : بدائع السلك في طبائع الملك نویسنده : ابن الأزرق جلد : 1 صفحه : 447