نام کتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي نویسنده : عبد القادر عودة جلد : 2 صفحه : 16
بزوال الأساس الذى قامت عليه: فالمسلم يصبح مهدر الدم بردته وخروجه عن الإسلام، والمستأمن والمعاهد يصبح مهدر الدم بانتهاء أمانه ونقضه عهده، ولا عصمة أصلاً لرعايا الدولة المحاربة ويسمى الفرد منهم حربيًا اصطلاحًا والحربى مهدر الدم أصلاً إلا إذا استأمن فأمن فإنه يعصم عصمة موقوتة بمدة أمانه، وإلا إذا عقدت دولته عهدًا ينهى حالة الحرب مؤقتًا أو دخلت فى الذمة فإنه يصبح معصومًا بعقد الموادعة أو عقد الذمة.
19 - وكما تزول العصمة بالردة وبانتهاء الأمان فإنها تزول بارتكاب بعض الجرائم: وهى على وجه الحصر: الزنا من محصن، وقطع الطريق، والقتل العمد. كذلك تزول العصمة - على رأى أبى حنيفة [1] - بارتكاب جريمة البغى وهى الخروج على أنظمة الدولة وقوانينها والثورة على القائمين بالأمر فيها، ويسمى الثائرون بغاة. وسنفصل القول فيما يأتى عن كل جريمة من هذه الجرائم [2] .
20 - ويترتب على زوال العصمة أن يصبح الشخص مهدر الدم، أى مباح القتل: فإذا قتله آخر لا يعتبر قاتلاً لأن قتل المهدر لا يعتبر جريمة من حيث فعل القتل، إذ الفعل مباح، ولكن لما كان قتل المهدرين من شئون السلطات العامة وموكولاً إليها فإن قتل الأفراد لهم يعتبر اعتداء على السلطات العامة ومن ثم يعاب قاتل المهدر باعتباره مرتكبًا لجريمة الافتيات على السلطات العامة لا باعتباره قاتلاً. وهذا هو الراجح فى المذاهب الأربعة [3] . [1] يرى أبو حنيفة وأصحابه أن البغاة غير معصومن , ويخالفه فى ذلك مالك والشافعى وأحمد , ويقولون إنهم معصومون إلا فى حالة الاشتباك مع أهل وهم الفريق الآخر من الأمة الذى خرج عليه البغاة. [2] يحسن بالقارئ أن يرجع إلى ما كتبناه عن هذا الموضوع فى الجء الأول من كتابنا حيث تكلمنا عنه بتوسع. [3] الأصل فى الشريعة الإسلامية أن من ارتكب جريمة حوكم عليها فإن ثبتت عليه حكم عليه= =بالعقوبة المقررة للجريمة وإن لم تثبت حكم ببراءته مما نسب إليه, وإذا حكم عليه بالعقوبة تولى تنفيذها ولى الأمر أو نائبه , ومن المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز أن يقيم الحد - أى العقوبات المقررة لجرائم الحدود - إلا الإمام أو نائبه؛ لأن الحد حق الله تعالى أى حق الجماعة وجب تفويضه الى نائب الجماعة , ولأن الحد مفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن فى استيفائه من الحيف والزيادة على الواجب فوجب تركه لولى الأمر يقيمه إن شاء بنفسه أو بواطة نائبه.
... وحضور الإمام ليس شرطاً فى إقامة الحد لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم ير حضوره لازماً فقال: "اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" وأمر عليه السلام برجم ماعز ولم يحضر الرجم , وأتى بسارق فقال: "اذهبوا به فاقطعوه".
... لكن إذن الإمام واجب فى إقامة الحد , فما أقيم حد فى عهد رسول الله إلا بإذنه وما أقيم حد فى عهد الخلفاء إلا بإذنهم (المذهب ج2 ص287) . ومما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع إلى الولاة: الحدود , والصقات , والجمعات , والفئ" (شرح فتح القدير ج4 ص130) . وإذا كانت القاعدة العامة إقامة الحد للإمام أو نائبه إلا أنه لو اقامة غيره من الافراد فإن مقيمه لا يسأل عن إقامته اذا كان الحد متلفاً للنفس أو للطرف؛ أى إذا كان الحد قتلاً أو قطعاً وإنما يسأل باعتباره مفتاتاً على السلطات العامة , أما إذا كان الحد غير متلف كالجلد فى الزنا والقذف فإن مقيمه يسأل عن إقامته أى أنه يسأل عن الضرب والجرح وما يخلف عنهما. والفرق بين الحالين أن الحد المتلف للنفس أو الطرف يزيل عصمة النفس وعصمة الطرف , وزوال العصمة عن النفس يبيح القتل وزوال العصمة عن الطرف يبيح القطع , فيصير قتل النفس أو قطع العضو مباحاً ولا جريمة فيما هو مباح. أما الحد غير المتلف فلا يزيل عصمة النفس ولا عصمة الطرف فيبقى معصوماً ومن يرتكب جريمة عقوبتها حد غير متلف , وتعتبر إقامة الحد عليه جريمة ما لم تكن الإقامة ممن يملك تنفيذ العقوبة.
نام کتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي نویسنده : عبد القادر عودة جلد : 2 صفحه : 16