نام کتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي نویسنده : عبد القادر عودة جلد : 1 صفحه : 594
الأعذار الشريعة لا تبيح عصمة المحل، فإذا كان الجاني له من الأعذار ما يمنع عنه العقوبة فإن هذه الأعذار لا تؤثر على حق الغير في تعويض الأضرار التي سببها له الجاني بفعله؛ لأن الفعل يظل محرماً على الفاعل، وإذا كان الجنون لا يجعل الجاني أهلاً للعقوبة فإنه لا ينفي عن الجاني أهليته لتملك الأموال والتصرف فيها، وما دامت هذه الأهلية متوفرة فيه فقد وجب أن يتحمل المسئولية المدنية وهي مسئولية مالية.
مدى مسئولية المجنون المدنية: من المتفق عليه بين الفقهاء أن المجنون ضامن لأفعاله أي مسئول عنها مدنياً، فهو ملزم بتعويض ما ينشأ عن جريمته من ضرر تعويضاً كاملاً ما دام الضرر ناشئاً عن عمله.
ومع تسليم الفقهاء بهذه القاعدة العامة فإنهم اختلفوا في مدى مسئولية المجنون المدنية في جرائم القتل والجرح, وأساس اختلافهم في هذه المسألة هو اختلافهم في تكييف جرائم المجنون، فمالك وأبو حنيفة وأحمد يرون أن عمد المجنون خطأ؛ لأنه لا يمكن أن يقصد الفعل قصداً صحيحاً، وإذا لم يكن فعله مقصوداً فهو ليس عمداً وإنما خطأ [1] . أما الشافعي فيرى عمد المجنون عمد لا خطأ، وأن الجنون يعفيه من العقوبة فقط ولا يؤثر على تكييف الفعل؛ لأنه يأتيه مريداً له وإن كان لا يدركه إدراكاً صحيحاً [2] .
وللاختلاف على تكييف فعل المجنون أثره على التعويض الذي يلزم به المجنون؛ لأن الدية في جرائم العمد مغلظة ويحملها العامد في ماله الخاص، ولكن الدية في جرائم الخطأ مخففة وتحملها العاقلة مع الجاني أو عنه. ولما كان التعويض في جرائم القتل والجرح مقدراً بالدية فإنه يأخذ حكمها، ولذلك جعل الشافعي التعويض مال المجنون لما اعتبره عامداً؛ لأن المتعمد يحمل الدية في ماله، [1] مواهب الجليل ج6 ص242، بدائع الصنائع ج7 ص236، المغني ج9 ص375. [2] الأم ج6 ص34.
نام کتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي نویسنده : عبد القادر عودة جلد : 1 صفحه : 594