المبحث الأول: تطبيقات دستورية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: سبق الكلام في الفصل السابق عن مسائل رئيسة في موضوع الدستور في الإسلام، وهي تعريف الدستور في الإسلام، وتدوينه، وأساليب نشأته ونهايته، ثم كان الحديث عن مصادر الدستور في الإسلام، وخصائصه المميزة له.
وحتى تتضح تلك المسائل لا بد من إيراد شيء من التطبيقات الدستورية من العصور الإسلامية المختلفة، بدء بعهد الرسالة بحكم أنه الأساس والقدوة في ذلك، ثم ما تلاه من العهود التي طبقت الإسلام، وحكمت به اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، والحديث عن تلك التطبيقات في عهد الرسالة، يستلزم الحديث عن الدولة في هذا العهد بشكل موجز، وهل اكتملت فيه أركانها، ومقوماتها، وضمانات تحقيق هذه المقومات أم لا وذلك لأن الدولة في هذا العهد هي بداية تأسيس الدولة الإسلامية وما بعدها كان استمرارا لها، وبناء على أساسها.
أولا: الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: يعتبر عهد النبي صلى الله عليه وسلم بقسميه المكي والمدني مرحلة تأسيس وبناء لكيان هذه الأمة، ووضع الأسس والقواعد العامة التي تسير على ضوئها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن الفترة المكية كانت تمهيدا للفترة المدنية، ففي الأولى تكونت نواة المجتمع المسلم، وكان التركيز فيها على قواعد الإسلام، وخاصة فيما يتعلق بعقيدته، فهي أسس لا بد منها قبل البدء في المرحلة العملية، وهي إنشاء الدولة، فتلك الفترة التأسيسية لازمة لتحديد منهج الإسلام وتقريره في النفوس،