وقال في رواية مهنا في سفينة أخذت في البحر فيها روم، فقالوا: نحن جئنا بأمان، فقال: " ينظر في حالهم، إن كان معهم سلاح". فقد اعتبر الظاهر في حقن دمائهم، وهذا مثله هاهنا. ويتخرج فيه وجه آخر: لا يقبل قولهم في التوبة إلا ببينة تَشْهَدُ لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهَا حدود قد وجبت، والشبهة ما اقترفت بالفعل، بل تأخرت عنه. وأصل هذا من كلام أحمد رحمه الله تعالى: ما قاله في رواية يعقوب بن بختان في الرجل من المسلمين جاء برجل من العدو، فقال أسرته، وقال العلج: بل أعطاني الأمان، فقال: إذا كان الرجل صالحاً لم يقبل قول العلج. وكذلك قال في رواية محمد بن يحيي الكحال في الأسير يخرج من بلاد الروم ومعه علج، فيقول العلج: أنا خرجب به، ويقول الأسير: أنا خرجت به، فقالك "أولى أن يقبل قول المسلم". فلم يقبل قوله وإن كان ذلك يعود بحقن دمه.
فصل فأما ولاية القضاة
فلا يجوز تقليد القضاء إلا لمن كملت في سبع شرائط: الذكورية، والبلوغ، والعقل، والحرية، والإسلام، والعدالة، والسلامة في السمع والبصر، والعلم. أما الذكورية فلأن المرأة تنقص عن كمال الولايات، وقبول الشهادات. أما البلوغ والعقل، فلأن الصبي والمجنون لا يليان على أنفسهما، فأولى أن لا يليان على غيرهما، ولأن طريق الاجتهاد في الحوادث، وأعيان الشهور معدومة فيهما.