فإن تابوا قبل أن يقدر عليهم الإمام: سقطت عنهم حدود الله تعالى، ولا تسقط حقوق الآدميين. وقتالهم مخالف لقتال أهل البغي من خمسة أوجه: أحدها: يَجُوزُ قِتَالُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، لِاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ مِنْهُمْ، وَلَا يَجُوزُ اتِّبَاعُ مَنْ وَلَّى مِنْ أَهْلِ البغي. وقد قال أحمد في رواية ابن منصور، والفضل، وبكر بن محمد: " إذا ولي فلا تتبعاه". وهذا محمول على ما إذا ولي ولم يتعلق به حق من قصاص أو مال، لأنه قال في رواية أبي طالب " إذا أخذ المال وهرب اتبعه، فإن ألقاه فلا تتبعه". الثاني: أنه يجوز أن يتعمد في الحرب قَتْلِ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يتعمد قتل أهل البغي. الثالث: أنهم يؤاخذون بما استهلكوه من مال، ودم في الحرب وغيرها، بخلاف أهل البغي. الرابع: يَجُوزُ حَبْسُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ حَبْسُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ البغي. الخامس: أَنَّ مَا اجْتَبَوْهُ مِنْ خَرَاجٍ، وَأَخَذُوهُ مِنْ صدقات، فهو كالمأخوذ غصبا: لايسقط عن أهل الخراج والصدقات حقاً، بخلاف أهل البغي.
وَإِذَا كَانَ الْمَوْلَى عَلَى قِتَالِهِمْ مَقْصُورَ الْوِلَايَةِ عَلَى مُحَارَبَتِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ أَنْ يقيم عليهم الحدود، ولا أن يستوفي منهم حقا، ولزمه حَمْلُهُمْ إلَى الْإِمَامِ لِيَأْمُرَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ واستيفاء الحقوق منهم
وإذا كَانَتْ وِلَايَتُهُ عَامَّةً عَلَى قِتَالِهِمْ، وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ والحقوق منهم: فلابدّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ لِيَنْفُذَ حكمه فيما يقيمه من حدود، ويستوفيه من حقوق. والكشف عَنْ أَحْوَالِهِمْ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا بِإِقْرَارِهِمْ طوعا من غير إكراه، ولا ضرب، أو بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ. فَإِذَا عَلِمَ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَا فَعَلَهُ كل واحد منهم من جرائم نظر. فمن كان منهم قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ بَعْدَ الْقَتْلِ. وهذا القتل محتوم لا يجوز العفو عنه، وإن عفي ولي الدم كان عفوه لغوا، ويصلبه ثلاثة أيام لا يتجاوزها، ثم يحطه. وَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ قَتَلَهُ، ولم يصلبه، غسله وصلى عليه.