وقد روى أبو حفص بإسناده عن عَمْرو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن". وأما من يراعي حالة فِي الْأَمَانَةِ وَالْخِيَانَةِ فَمِثْلُ الصَّاغَةِ، وَالْحَاكَةِ وَالْقَصَّارِينَ، وَالصَّبَّاغِينَ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا هَرَبُوا بِأَمْوَالِ النَّاسِ، فَيُرَاعِي أَهْلَ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ مِنْهُمْ، فَيُقِرُّهُمْ وَيُبْعِدُ مَنْ ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ وَيُشْهِرُ أَمْرَهُ، لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْحُمَاةَ وولاة المعونة أَخَصُّ بِالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ مِنْ وُلَاةِ الحسبة، لأن الخيانة تابعة للسرقة.
وأما ما يُرَاعِي عَمَلَهُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَهُوَ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِالنَّظَرِ فِيهِ وُلَاةُ الْحِسْبَةِ، وَلَهُمْ أَنْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِمْ فِي الْعُمُومِ فَسَادَ الْعَمَلِ وَرَدَاءَتَهُ وإن لم يكن فيه مستعد. فأما فِي عَمَلٍ مَخْصُوصٍ اعْتَادَ الصَّانِعُ فِيهِ الْفَسَادَ وَالتَّدْلِيسَ، فَإِذَا اسْتَعْدَاهُ الْخَصْمُ قَابَلَ عَلَيْهِ بِالْإِنْكَارِ وَالزَّجْرِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ غُرْمٌ، رُوعِيَ حَالُ الغرم، فإن افتقر إلى تقدير أو تقويم لم يكن لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ، لِافْتِقَارِهِ إلَى اجْتِهَادٍ حكمي، وكان القاضي بالنظر فيه أحق أن ينظر فيه بإلزام الغرم والتأديب؛ لِأَنَّهُ أَخْذٌ بِالتَّنَاصُفِ، وَزَجْرٌ عَنْ التَّعَدِّي. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ الْأَقْوَاتَ وَلَا غيرها في رخص ولا غلاء. وما ما ينكره مِنْ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَكَالْمَنْعِ مِنْ الْإِشْرَافِ عَلَى مَنَازِلِ الناس، ويكره من علا بناؤه أن يستر سطحه. قال في رواية ابن منصور في الرجل يشرف على جاره "فالسترة على الذي أشرف".