وروى عامر الشعبي " أن عمر " حِينَ أَرَادَ وَضْعَ الدِّيوَانِ قَالَ: بِمَنْ أَبْدَأُ؟ فقال له عبد الرحمن ابن عوف: ابدأ بنفسك، فقال عمر: أذكرتني، حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبدأ ببني هاشم وبني الْمُطَّلِبِ، فَبَدَأَ بِهِمْ عُمَرُ، ثُمَّ بِمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، حَتَّى اسْتَوْفَى جَمِيعَ قُرَيْشٍ، ثُمَّ انْتَهَى إلَى الْأَنْصَارِ، فَقَالَ عُمَرُ: ابْدَءُوا بِرَهْطِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ من الأوس، ثم الأقرب فالأقرب لسعد". فلما استقر ترتيب الناس في الديوان على تعدد النَّسَبِ الْمُتَّصِلِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَّلَ بَيْنَهُمْ فِي الْعَطَاءِ عَلَى قَدْرِ السَّابِقَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْقُرْبَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَرَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ فِي الْعَطَاءِ وَلَا يَرَى التفضيل بالسابقة، وكذلك كان رأي على ابن أبي طالب فِي خِلَافَتِهِ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَكَانَ رأي عمر التفضيل بالسابقة في الدين، وكذلك كان رأي عثمان بعده، وبه أخذ أحمد وأبو حنيفة وفقهاء العراق.
وقد ناظر عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ حِينَ سَوَّى بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ " أَتُسَوِّي بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَصَلَّى القبلتين، ومن أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ خَوْفَ السَّيْفِ؟ " فَقَالَ لَهُ أبو بكر " إنما عملوا لله وأجورهم على الله، وإنما الدنيا دار بلاغ " فقال عُمَرُ: " لَا أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَنْ قَاتَلَ مَعَهُ " فلما وضع الديوان فضل بالسابقة. ففرض لكل واحد شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عوف، وَفَرَضَ لِنَفْسِهِ مَعَهُمْ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، لِمَكَانِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: بَلْ فَضَّلَ الْعَبَّاسَ وَفَرَضَ لَهُ سبعة آلَافِ دِرْهَمٍ، إلَّا عَائِشَةَ فَإِنَّهُ فَرَضَ لَهَا اثني عشر ألف درهم، وألحق بهم جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَصَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَقِيلَ بل فرض لكل واحدة منهما ستة آلاف درهم، وفرض لمن هاجر قبل الفتح ثلاثة آلاف درهم لكل رجل، ولمن أسلم بعد الفتح ألفي دِرْهَمٍ لِكُلِّ رَجُلٍ، وَفَرَضَ لِغِلْمَانٍ أَحْدَاثٍ مِنْ أولاد المهاجرين والأنصار كفرائض مسلمة الْفَتْحِ. وَفَرَضَ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، لِأَنَّ أُمَّهُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ " لِمَ تُفَضِّلُ عُمَرَ عَلَيْنَا وَقَدْ هَاجَرَ آبَاؤُنَا، وَشَهِدُوا بَدْرًا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أُفَضِّلُهُ لِمَكَانِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِيَأْتِ الذي يستعتب بأم مثل أم سلمة". وَفَرَضَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف درهم، فقال عبد الله بن عمر " فرضت لأسامة في أربعة آلاف درهم، وفرضت لي في ثلاثة آلاف، وَقَدْ شَهِدْت مَا لَمْ يَشْهَدْ أُسَامَةُ. فَقَالَ عُمَرُ: زِدْته لِأَنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْكَ، وَكَانَ أبوه أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - من أبيك".