عنه وضرورة السابلة إليه. وَيَكُونُ السَّابِقُ إلَى الْمَنْزِلِ أَحَقَّ بِحُلُولِهِ فِيهِ من المسبوق، حتى يرتحل إليه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا". فَإِنْ وَرَدُوهُ عَلَى سَوَاءٍ وَتَنَازَعُوا فيه نظر في التعديل بينهم بما يُزِيلُ تَنَازُعَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْبَادِيَةُ إذَا انْتَجَعُوا أَرْضًا طلبا لكلأ، وارتفاقا بالمرعى، وانتقالا من أرض إلى أرض كانوا فيما تركوه، وَارْتَحَلُوا عَنْهُ كَالسَّابِلَةِ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي تنقلهم ورعيهم. الضرب الثاني: أن يقصدوا بنزولهم بها الإقامة بها والاستيطان لها؛ فللسلطان في نزولهم بِهَا نَظَرٌ يُرَاعَى فِيهِ الْأَصْلَحُ، فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالسَّابِلَةِ مُنِعُوا مِنْهَا قَبْلَ النُّزُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّابِلَةِ رَاعَى الْأَصْلَحَ فِي نُزُولِهِمْ فِيهَا أَوْ مَنَعَهُمْ مِنْهَا وَنَقَلَ غَيْرَهُمْ إلَيْهَا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ حِينَ مَصَّرَ الْبَصْرَةَ والكوفة نقل إلى كل واحدة مِنْ الْمِصْرَيْنِ مَنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِيهِ الْمُسَافِرُونَ، فَيَكُونَ سَبَبًا لِانْتِشَارِ الْفِتْنَةِ وسفك الدماء، كما يفعل في إقطاع الموات وما يرى.
فإن لم يستأذنوه حتى نزلوا فيه لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْهُ، كَمَا لَا يَمْنَعُ مَنْ أحيى مَوَاتًا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَدَبَّرَهُمْ بِمَا يَرَاهُ صَلَاحًا لَهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ إحْدَاثِ زِيَادَةِ مَنْ بَعْدُ إلَّا عَنْ إذْنِهِ. رَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " قَدِمْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي عُمْرَتِهِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَكَلَّمَهُ أَهْلُ الْمِيَاهِ فِي الطَّرِيقِ أن يبنوا منازل فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذلك، فأذن لهم، واشترط أن ابن السبيل أحق بالماء والظل". الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ والأملاك. نظرت، فإن كان مضرا بأربابها منع المرتفق منها إلا أن يأذن بِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فَيُمَكِّنُوا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مضر بهم، فهل يعتبر إذنهم؟ يحتمل أن يعتبر، لأن الحريم مرفق، ولا حاجة بهم إليه، وكانوا وغيرهم سواء. وقد قال أحمد في رواية إبراهيم بن هانئ: في الرجل يحفر العين حيث عين الرجل فقال " روي عن الزهري أنه قال: حريم العيون خمسمائة ذراع" وكأنه ذهب إليه. قيل له: فإن حفر على أكثر له التصرف فيما جاوز فناء غيره، ولم يعتبر إذنه. وقال في رواية الحسن بن ثواب: فيمن حفر بئرا في فنائه فعطب رجل، يعني بها " لزمه".