وقال أيضا في رواية أبي طالب - وقد سئل عن الرجل يكون له الماء فيشارك صاحب الأرض كرهه، وقال " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الماء". فقد منع من المشاركة بالماء لصاحب الأرض، كما منع من بيعه لأنه في التحقيق معاوضة عن الماء. ونقل يعقوب بن بختان عن أحمد " أنه سئل عن رجل له أرض والآخر ماء، فقال صاحب الأرض لصاحب الماء: سق ماءك إلى أرضي والزرع بيننا قال: لا بأس به". فقد أجاز الشركة في الماء. وهذا يدل على أنه ملك له قبل استقائه وحيازته، وأنه يحدث عَلَى مِلْكِهِ فِي قَرَارِهِ قَبْلَ حِيَازَتِهِ كَمَا إذَا مَلَكَ مَعْدِنًا مَلَكَ مَا فِيهِ قَبْلَ أخذه، وعلى هذا يجوز قبل استقائه، ومن استقاه بغير إذنه استرجع منه، لأنه لما جاز الشركة فيه دل على أنه قد ملكه، وإذا لا يصح أن يشارك فيما لا يملك. واختار أبو بكر رواية يعقوب، وقال " الشركة ليست بيعا، وإنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الماء". وفي هذا بعد، لأن الشركة معاوضة بالماء لما يحصل له من الزرع، وهذا يختص البيع. وإذا ثبت اختصاصه بها فله أن يسقي مواشيه وزرعه ونخله وَأَشْجَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ كِفَايَتِهِ فَضْلٌ لم يلزمه بذل شيء منه إلا لمضطر على نفس. وقد نقل ابن منصور عن أحمد أنه سئل عن رجل جاء إلى أهل أبيات فَاسْتَسْقَاهُمْ فَلَمْ يَسْقُوهُ حَتَّى مَاتَ فَأَغْرَمَهُمْ عُمَرُ الدية.
قيل لأحمد: تقول به؟ قال: " أي شيء أقول؟ بقوله عمر، قيل له: تقول به أنت؟ قال: إي والله". ونقل الفضل بن زياد عنه - وقد سئل يوقف الماء؟ فقال " إن كان شيئا قد استجازوه بينهم جاز ذلك". وهذا محمول على وقف المكان الذي فيه الماء الدائم، لأن الماء لا ينتفع به إلا بإتلافه، فلا يصح وقفه. فإن فضل منه بعد كفايته فضل لزمه بذله للشاربة من أرباب المواشي والحيوان. وهل يلزم بذله للزرع؟ على روايتين: إحداهما: لا يلزمه نص عليه في رواية حرب في رجل في داره بستان صغير، وفي البستان قناة تجري في الأرض التراب يستقى من تلك القناة دلي، ويستقي بستانه، قال: " لا، إلا أن يكون له شرب من القناة، أو هو شريك، لايسقي إلا بإذن أهله". فقد منعه من ذلك، وهذا يدل على أنه لا يلزم صاحب الماء بذل الفضلة. والثانية: يلزمه، قال في رواية إسحق بن إبراهيم: في القوم يكون لهم نهر يشربون فيه، فيجئ رجل فيغرس على جنب النهر بستانا، فقال " إذا كان يفضل عن شرب القوم ولا يضر بغير فلا بأس أن يستقي البستان".