ووجه الدلالة: هو أن الحديث أجرى الرضاع مجرى النسب، وشبهه، فثبت تنزيل ولد الرضاعة وأبي الرضاعة منزلة ولد النسب وأبيه، فما ثبت للنسب من التحريم ثبت للرضاعة، وإذا حرمت امرأة الأب والابن، وأم المرأة وابنتها من النسب حرم من الرضاعة، وإذا حرم الجمع بين الأختين من النسب حرم بين أختي الرضاعة.
ويفهم من كلام العلامة ابن القيم في زاد المعاد أنه وأستاذه شيخ الإسلام ابن تيمية يميلان إلى أن المصاهرة بالرضاع لا توجب تحريما؛ لأن المصاهرة لا تكون إلا مع النسب حتى لا تقطع الأرحام بين الأباء والأبناء، ولا رحم في الرضاعة يخشى عليها، ولا نص ولا قياس يجعل أقارب المرأة رضاعا كأقاربها نسبا، وإذا كان الشأن كذلك فالحل هو الثابت بعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [1].
ورجح الإمام محمد أبو زهرة وجهة نظرهما في ذلك فقال ما نصه: يبدو لنا أن نظر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم نظر له وجهه إذا تلونا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [2] فنرى أن الله تعالى ساق المحرمات بالنسب، ثم ساق المحرمات بالرضاعة رابطا بينهم وبين النسيبات، ثم المحرمات بالمصاهرة، ولم يشر بعدها للرضاعة، والمصاهرة لا تنصرف إلا إلى ما كان النسب سببها ولو كانت الرضاعة تثبت بالمصاهرة لعقب التحريم بالمصاهرة بها، وأشار النص إليها. ا. هـ.
المسألة الخامسة عشر: حكمة التحريم بالرضاع
عندما تقوم امرأة بإرضاع غير ولدها فإنها بذلك تغذيه بجزء منها، فتدخل أجزاؤها في تكوينه ويصبح الولد جزءا منها.
فلبنها در من دمها لينبت لحم الطفل وينشر عظمه فهي بذلك كالأم النسبية. [1] من الآية 24 من سورة النساء. [2] من الآية 23 من سورة النساء.