فيأذن لها أولياؤها بذلك وليرافقها رفيق منهم في غدواتها وروحاتها كما يرافق الشاه راعيها خوفاً عليها من الذئاب فإن عجزنا أن نأخذ الآباء والأزواج بذلك فلننفض أيدينا من الأمة جميعاً نسائها ورجالها فليست المرأة بأقدر على إصلاح نفسها من الرجل على إصلاحها.
أعجب ما أعجب له من شئونكم أنكم تعلمتم كل شيء إلا شيئاً واحداً هو أدنى إلى مدارككم أن تعلموه قبل كل شيء وهو أن لكل تربة نباتاً ينبت فيها ولكل نبات زمن ينمو فيه رأيتم العلماء في أوربا يشتغلون بكماليات العلوم بين أمم قد فرغت من ضرورياتها فاشتغلتم بها مثلهم في أمة لا يزال سوادها الأعظم في حاجة إلى معرفة حروف الهجاء ... ورأيتم الرجل الأوربي حراً مطلقاً يفعل ما يشاء ويعيش كما يريد لأنه يستطيع أن يملك نفسه وخطواته في الساعة التي يعلم فيها أنه قد وصل إلى حدود الحرية التي رسمها لنفسه فلا يتخطاها فرأيتم أن تمنحوا هذه الحرية نفسها رجلاً ضعيف الإرادة والعزيمة يعيش في حياته الأدبية في رأس منحدر زلق إن زلت به قدمه مرة تدهور من حيث لا يستطيع أن يستمسك حتى يبلغ الهوة ويتردى في قرارتها ورأيتم الزوج الأوربي الذي أطفأت بيئته غيرته وزالت خشونة نفسه وحرشتها يستطيع أن يرى زوجته تخاصر من تشاء وتصاحب من تشاء وتخلو بمن تشاء فيقف أمام ذلك المشهد موقف الجامد المتبلد فأردتم من الرجل الشرقي الغيور المتلهب أن يقف موقفه ويستمسك استمساكه ورأيتم المرأة الأوربية الجريئة المتفتية تستطيع في كثير من مواقفها مع الرجال أن تحتفظ بنفسها وكرامتها (*) فأردتم من المرأة المصرية الضعيفة الساذجة أن تبرز للرجال بروزها وتحتفظ بنفسها احتفاظها وكل نبات يزرع في أرض
(*) في هذه العبارة نظر، إذ ليست علة منع الاختلاط سذاجة المرأة وعدم جرأتها بحيث يقال إذا زالت العلة زال
المعلول فيباح الاختلاط للمرأة الجريئة المتفتية ويمنع للساذجة الضعيفة وهذا باطل لمخالفته نصوص
الشريعة وقواعدها وقد فصَّلت ذلك في " القسم الثالث " من هذا الكتاب فانظره ص (51: 60) .