معروفة [289] فكانت الخطوة الأولى إبراز فكرة جديدة كنقطة انطلاق يتبعها ما وراءها وتضفي عليها الصبغة الدينية الشرعية حتى لا تصدم شعور العامة ويكون التذرع بالدين وفتح باب الاجتهاد سبيلاً إلى قبولها ولابد في ذلك من استدراج بعض الشيوخ والعلماء لكي يدلوا بدلوهم في القضية باعتبار أنها خلاف فقهي فيه راجح ومرجوح ومن هنا تبدأ القابلية للتردد وزلزلة الأفكار، أجل! لابد أن يبدأ الزحف بصحبة الشيوخ الذين تقدسهم العامة والذين يستغلون في البداية كأسلحة مؤقتة ولا بأس أيضاً بالتنقيب في الأسفار والبحث هنا وهناك عن عبارات وفتاوى مبتورة تبرر الانحراف عن الشريعة ثم بعد ذلك وبعد تمكن الفكرة الجديدة من القلوب وشن الحملات على ما يخالفها من الأوضاع الاجتماعية السائدة يبدأ الانخلاع من الدين شيئاً فشيئاً لتختفي النبرة الإسلامية حيناً ثم تأتي مرحلة الهدم والضرب العشوائي الذي يحطم كل شيء.
لقد بدأت حركة (تحرير المرأة) على أيدي المتفرنجين فقلدهم بعض الخطباء الجهلة والكتاب الفسقة ونشبت المعركة أول ما نشبت حول (كشف وجه المرأة) أي السفور وأقام العلماء الناصحون الدنيا وأقعدوها ليحبطوا تلك الدعوة إلى السفور لا لأنه الحكم الراجح في المسألة فحسب ولكن لأنهم فطنوا لحقيقة الخطة المدمرة التي تستهدف القضاء على المرأة المسلمة وتحطيم كيانها لقد نادوا بتخليص المرأة من الحجاب ولزوم البيت والخضوع للآباء والخنوع للأزواج والبعد عن الحياة الاجتماعية والسياسية وواتت هذه الحركة فرصة وجود الأمة المسلمة مستعبدة للأجنبي الكافر مستعمرة له ترزح تحت نيرانه وتأن تحت كلكله تتوجب لما يصب عليها من جم غضبه وما يسومها من سوء عذابه فنسبوا - مكراً وخديعة - كل ما حل بالأمة [289] انظر: (الاتجاهات الوطنية) (2 / 245 - 246) ، و (من أصداء الدين في الشعر المصري الحديث)
للدكتور سعد الدين محمد الجيزاوي (1 / 322) .