بعد الفارّ، أي كالذي يفر من القتال في سبيل الله، ثم يعود إليه، وذلك لأن بعض الناس ذوي النفوس الضعيفة والهمم الدنيئة، يفرح بانقضاء شهر الصيام، إذ هو يشعر بثقل شهر رمضان عليه، ويمل من أيامه ولياليه، ويرى أنه طويل عليه، قد حال دون تنفيذ شهواته ورغباته، ومن كان كذلك فلا يكاد يعود النبي الصيام سريعا، وبعضهم يجتهد في شهر رمضان، فإذا انقضى عاد إلا التسويف والمماطلة، وارتكاب المخالفات، وقد سئل أحد الصالحين: عن قوم يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فإذا انقضى تركوا العبادة، فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان.
إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها. وقد نجد ذلك التسويف عند بعض الشباب، لأن الشاب يؤمل معاودة التوبة في آخر عمره، وهذا خطر؛ لأن الموت قد يفتك به وهو في رونق شبابه، وأقبح منه الشيخ المسن، فإنه إذا عاود المعصية بعد رمضان، كان ذلك أشنع وأفظع.
اللهم يا جابر المنكسرين، ويا راحم ذل المساكين، نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، اللهم وفقنا لصالح الأعمال، وثبتنا على الطاعة والعبادة، واهدنا سبيل الفلاح والاستقامة، واجعل خير أعمارنا خواتمها، وأفضل أعمالنا أواخرها، برحمتك يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، قائد الغر المحجلين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم الكتاب وربنا محمود ... وله المكارم والعلا والجود
وعلى النبي محمد صلواته ... ما ناح قمري وأورق عود