نام کتاب : رسائل ابن حزم نویسنده : ابن حزم جلد : 3 صفحه : 98
البرهان، والحق يستبين في النحل بالرجوع إلى القرآن الذي اتفقت عليه الفرق، وإلى الإجماع المتيقن. فلا بد لمن أراد الوقوف على الحقائق في ذلك من الوقوف على ما أوجبه القرآن وصح به الإجماع. والحق يتبين فيما اختلف فيه العلماء بالرجوع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه من أحكام القرآن والسنن المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فواجب على كل مسلم طلب ما يلزمه من ذلك والبحث عنه واعتقاده الحق إذا صح عنده، وكل هذا لا يدرك بالأماني الفاسدة ولا بالأهذار الباردة ولا بالدعاوى الكاذبة، لكن بطلب أحكام القرآن والبحث عن الحديث وضبطه والاشتغال به عما لا يجدي ولا يغني، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[أما قولهم] : إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم متسع جداً أكثر من أن يحصى أو يحاط به، ويدعي غيرك أن الحديث الذي ترويه أنت منسوخ والذي يرويه هو هو [الناسخ] بأصح أسانيد - فكلام باطل؛ بل حديث النبي صلى الله عليه وسلم محصى مضبوط مجموع مستقصى [1] ولله الحمد. ومن ادعى في حديث انه ناسخ أو منسوخ لم يصدق ألبتة إلا بأن يأتي على ما يدعيه بذلك بنص صحيح يخبر [2] انه منسوخ، أو بإجماع صحيح يخبر انه منسوخ، أو بتقدم تاريخ مع تعذر الجمع بينهما، وكل هذا سهل ممكن لمن طلبه لا لمن قعد يهذر ويشتغل بالحديث البارد، وبالله [185 ب] تعالى التوفيق.
وأما قولهم: " إذ كل ما ذكرتم مانع من الرجوع إلى ما قامت به البينة " [3] . فالحجة [4] عندكم فيما اعتقدتم مذهب مالك ولعل غيره أصح منه. فإن قالوا: وجدنا عليه من وثقنا به من شيوخنا. قيل لهم: وهكذا يقول أهل كل مذهب فيما هم عليه، وهكذا يقول أهل كل ملة فيما هم عليه، وهكذا يقول أهل كل نحلة فيما هم عليه: انهم كلهم وجدوا على ما هم عليه من وثقوا به، ومن لا يتهم بأنه ما جهل الحق، ولا انه قال الباطل. فحصلنا من هذا الجنون على لزوم الضلال وعلى قوله تعالى: {إنا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} (الأحزاب: 67) . ويقال لهم: لا يخلو السائل عن هذا من أن يكون ممكناً منه طلب العلم وفهمه، أو يكون [1] ص: مقتصى. [2] ص: غير. [3] لم يرد هذا القول في ضمن حديثهم السابق (الفقرة: 21) . [4] ص: الحجة.
نام کتاب : رسائل ابن حزم نویسنده : ابن حزم جلد : 3 صفحه : 98