responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : رسائل ابن حزم نویسنده : ابن حزم    جلد : 2  صفحه : 18
لقد عاش ابن حزم لحظات " انحدار " التاريخ، في نفسه، التاريخ بمفهومه الكلي؛ فعلاً وفكراً؛ وفي لحظة ذلك الانحدار نفسه عاش رجل وقف ملكاته على التاريخ جاعلاً منه وسيلة وغاية، وكان " رد الفعل " لديه على ذلك الانحدار أن توقف عن كتابة التاريخ كأنما تعطلت حركته جملة واحدة - أعني حركة التاريخ - ذلك هو ابن حيان الذي يقول: " وأنسأتني المدة إلى أن لحقت بيدي منبعث هذه الفتنة البربرية، الشنعاء المدلهمة، المفرقة للجماعة، الهادمة للمملكة المؤثلة، المغربة الشأو على جميع ما مضى من الفتن الإسلامية، ففاضت أحوالها تعاظماً أدلهني عن تقييدها، ووهمني ألا مخلص منها، فعطلت التاريخ إلى أن خلا صدر منها ... " [1] . ولقد كان إحساس الرجلين تجاه ذلك الانحدار متشابهاً، وإن اختلفا في السلوك العملي بعده، فقد عبر عنه ابن حيان بقوله في الفتنة: " فتمخضت عن الفاقرة الكبرى ... مما طوى بساط الدنيا وعفى رسمها وأهلك أهلها " [2] وقال ابن حزم في ذهاب الدولة الأموية: " وبهدمها انهدمت الأندلس إلى الآن، وذهب بهاء الدنيا بذهابها " [3] .
وكانت معاصرة ابن حيان لابن حزم تعطيه النموذج الكبير لمعنى التاريخ، فتقنعه بأنه ما دام قد آثر الشريعة لا يستطيع أن ينقطع للتاريخ كما فعل ابن حيان، ولعله أحس أنه لا يستطيع أن يزاحمه في ذلك الميدان؛ ثم إن علاقته التاريخية بالحاضر واهية الجذور، لأنها تتصل بالماضي وتعيش في ذكرياته، فالحاضر - على مستوى التاريخ - لا يمثل له إلا أحداثاً موصولة الأسباب بالفتنة التي قضت على وحدة الجماعة، وهو غير راضٍ عن تلك الأحداث وعن أصحابها في المجال السياسي؛ والحاضر - على مستوى الشريعة - هو العمل الدائب نحو المستقبل، للنجاة الذاتية ولنجاة الآخرين - إن أمكن -، وفي هذا الموقف يصبح التاريخ السياسي وما يتصل به " طغياناً " مستمراً وخروجاً عن الشريعة واغتراراً بالدنيا وتكالباً عليها، مما هو سلبي خالص لا يفيد إلا في استلهام العبرة بهذا العبث الدائب. ولهذا كان ابن حزم غير راضٍ عن ملوك الطوائف قبل أن تحرق كتبه، وإن ألجأته الضرورات إلى العيش في كنف الصالحين منهم كأصحاب البونت أو كأحمد بن رشيق وزير مجاهد في ميورقة، فهو يقول في مفتتح إحدى رسائله: " اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور يتركونها عما قريب عن عمارة شريعتهم

[1] الذخيرة 1/2: 576.
[2] الذخيرة 1/1: 36.
[3] البيان المغرب 2: 40.
نام کتاب : رسائل ابن حزم نویسنده : ابن حزم    جلد : 2  صفحه : 18
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست