الشيطان، ابتلاءً وامتحاناً، فمادام الشيطان موجوداً، فالجريمة موجودة لأنه هو الذي يوسوس بها في نفس الإنسان، وهو الذي يدعوه إلى ارتكابها ويحسنها له {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} (النساء: 120) {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (الحجر: 39-0 4) .
والآيات بهذا الشأن كثيرة جدا والمسألة واضحة. إلا أن الإسلام وهو يسلّم بوجود الجريمة لا يتركها هكذا كما أسلفت بل يسعى إلى تقليلها، ووضعهاَ في حجم معين ويسعى إلى حصر آثارها والتخفيف من نتائجها، ومن ناحية أخرى فالإِسلام بهذه النظرة لا يقطع خط الرجعة على المجرمين، بل يدعوهم ويطالبهم بالعودة إلى المجتمع، ويعيد لهم اعتبارهم، ولا يجعل من مقار فتهم للجريمة أياً كانت سبباً في نبذهم وطردهم إلا بقدر محدود، عندما يصرون على ارتكاب الجريمة وير تكسون في الإجرام حيث لا تجدي فيهم الموعظة[1]، فإنه في هذه الحالة ينتقل إلى العقوبة ومع العقوبة كذلك لا يعتبرهم منبوذين، بل يعتبرهم جزء من المجتمع، ويترك لهم الفرصة ليعيدوا الاعتبار إلى أنفسهم إذا كانوا أحياء، وإذا كانوا في عداد الأموات- في حالة العقوبة المتلفة- فهو يعتبرهم مسلمين، لهم ما للمسلمين من حقوق واحترَام، في الحديث أن خالد بن الوليد رضي الله عنه سب المرأة التي رجمت من الزنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت". رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
وقال لعمر رضي الله عنه عندما قال: تصلي عليها وقد زنت. " لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله". رواه مسلم وغيره، في بعض روايات قصة ماعز بن مالك الأسلمي فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، وسار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائلا رجله. فقال: "أين فلان وفلان؟ " فقالا: نحن ذان يا رسول الله. قال: "كلا من جيفة هذا الحمار" فقالا: يا نبي الله من يأكل من هذا؟ قال: "فما نلتما من عرض أخيكما أنفاَ أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها". رواه أبو داود.
ولما جاءوا بالسارق بعد قطعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل استغفر الله وأتوب إليه فقال: [1] لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن العقوبة لا توقع عليهم إلا في حالة الإصرار بل أن العقوبة توقع على المجرم بمجرد ارتكابه للجريمة ولو لم يصر أو تتكرر منه، إلا في التعازير فالأمر فيها يختلف.