وهذا يعني بقاء الضعفاء والمحتاجين تحت رحمة الأغنياء ومِنَّتهم - إذا حرَّكهم حب الله والآخرة أو الثناء الدنيوي جادوا بشيءٍ ولو قليل - على ذوي الحاجة والفقر، فهم أصحاب الفضل والمِنَّة. وإذا غلب عليهم الشح وحب المال - ضاع الفقراء وافترستهم الفاقة - ولم يجدوا من يدافع عنهم أو يطلب لهم حقّاً. إذ لم يكن لهم حق معلوم، وهذا هو خطر الإحسان الموكول إلى الأفراد[1].*
فلمَّا جاءت الرسالة الخاتمة، والرحمة العامَّة، والهداية التامَّة، على يد محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، اعتنت بعلاج مشكلة الفقر، ورعاية الفقراء والمحتاجين، ولم تكتف بسد عوزهم وانتشالهم من فقرهم، بل قرنت ذلك تماماً بالتربية والتوجيه والتأكيد على أنَّ ما يدفعه الغني حق واجب عليه، وما يأخذه الفقير ملك له ليس عليه فيه غضاضة. وبهذه المبادئ السامية، قضى الإسلام على مشكلة الفقر، وأراح الفقراء وأخذ بأيديهم لِمَا فيه خيرهم في عاجلهم وآجل أمرهم.
وهذا ما سوف يتَّضِح إن شاء الله تعالى من الأهداف التي شُرِعَت من أجلها الزكاة في الإسلام.
أهداف الزكاة:
للزكاة أهداف إنسانية جليلة، ومُثُل أخلاقية رفيعة، وقِيَم روحية عالية. وكلها قصد الإسلام إلى تحقيقها وتثبيتها حين فرض الزكاة، قال -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] . [1] فقه الزكاة 1/52، الزكاة للطيار ص 16- 17.* ولا يفهم مما سبق أن ذلك حال المسلمين في الشريعة المحمدية. بل ذلك مفروض في الشرائع التي ترك أمر إخراج الزكاة فيها إلى صاحب المال: لأن الفقر والغنى في الإسلام كله بمشيئة الله تعالى وله فيه حكم لا يمكن الإحاطة بها.