وفي ذلك كله تصديق لمعنىً جليلٍ من معاني الحديث العظيم الذي مرَّ، كما أنَّ فيه دليلاً على صدق ما وعد الله به من أنَّه يخرج لهذه الأمة مَن يجدد لها دينها. كما في الحديث النبوي: " إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدِّد لها دينها" [1].
فلم يزل المصلحون يتتابعون على هذه الأمَّة المحمدية، كلَّما بَعُدَ العهد بواحدٍ خلفه آخر، وفاءً من الله جلَّ وعلا بهذا الوعد الحكيم:
{إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 9] .
حتى وصل الأمر بالأمة الإسلامية إلى العقد الأول والثاني من القرن الرابع عشر من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان المجدِّد فيه هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - فقد نشأ في زمن ضعفت فيه الآثار المحمدية. وضعفت المعالم الإسلامية، فلا راية إلاَّ لأهل الشرك والبدع. لهم الصولة والجولة، والعامة تبعٌ لهم. والخاصة دعاة لهم، قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، لم يسلم من شباكهم إلاَّ نذر يسير. وأصبحت البدعة عندهم سُنَّة إذا غيرت قيل: غيرت السُنَّة.
فلمَّا رأى الشيخ حالهم، وعرف ضلالتهم، دعاهم إلى توحيد الله بالعبادة، وإفراده بها.
ولم يزل صابراً على ما يلقاه من أذى، داعياً إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، يسانده في ذلك - بعد عون الله تعالى - الإمام محمد بن سعود - رحمه الله -، إلى أن أتت هذه الدعوة المباركة ثمارها، وغرست غرساً [1] أخرجه أبو داود في الملاحم 2/424 وقال عنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - حفظه الله: "هذا حديث إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات. وقد صحَّحه الحاكم، والحافظ العراقي، والعلاَّمة السخاوي، وآخرون". وصحَّحه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 599.
وانظر: الفواكه العذاب في معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 6