وليس معنى ذلك أنه لا يترتب على العبادات شيءٌ من الآثار النافعة المفيدة، ولا شيء من الأسرار العظيمة البديعة، كلا! فإن لها آثارًا نشهدها ونراها، وندركها بعقولنا؛ ولكن لا يصلح لنا أن نقطع بأنها هي الغرضُ من التشريع، أو المقصود من التكليف، وإنما هي آثارٌ تابعةٌ للعبادة، يزداد بها إقبال النفوس عليها قوة إلى قوة. والحكمة الجامعة من تشريع الصيام بيّنها الله - عز وجل - في كتابه فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183) .
فالحكمة من تشريع الصيام - إذًا - هي التقوى.
وما برح الناسُ في كل عصرٍ يرون من فوائد التشريع ما يتَّفق مع تفكيرهم ومنطقهم ومصالحهم، وهذا دليل على أن وراء هذا التشريع خالقًا عظيمًا، مدبرًا حكيمًا {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (النمل: من الآية: 88) .