وقد ورد أن إبراهيم - عليه السلام - لما تيقَّن مما رأى في منامه قال لابنه: يا بني خُذِ الحبلَ والمُديةَ، وانطلق بنا إلى هذا الشعب نحتطب، فلما خلا بهِ في شعب ثبير أخبره بما أمره الله به، فلما أراد ذبحه قال له: يا أبت اشدد رباطي؛ حتى لا أضطرب، واكْفُفْ ثيابك؛ حتى لا يصيبَها الدَّمُ فتراه أمي، واشحذ شفرتك، وأسرع في السكينِ على حلقي؛ ليكون أهونَ علي، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني.
قال إبراهيم: نعم العونُ أنت يا بني، ثم أقبل عليه، وهما يبكيان، ثم وضع السكينَ على حلقه، فلم تحزَّ، فشحذها مرتين أو ثلاثًا بالحجر فلم تقطع.
فقال الابن عند ذلك: يا أبتِ كُبَّني على وجهي؛ فإنك إن نظرت إلى وجهي رحمتني، وأدركتك رِقَّةٌ تحول بينك وبين أمر الله - تعالى - وأنا لا أنظر إلى الشفرة؛ فأجزع.
ففعل إبراهيم ذلك، ووضع السكين على قفاه، فانقلب السكين، وسلبت منها خاصيتها، ونودي {أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ} {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} (الصافات: الآية: 104) .
وإليكم أيها الصائمون صورًا مشرقة في البر من سير السلف الصالح، تدل على شدة اهتمامهم ببر الوالدين.