تحيا أمة نصفها ميت تماما ونصفها الآخر أشل بسبب الجهل والانحطاط, والرقي لا يتجزأ، فإما أن يعم الآباء والأمهات والأبناء، وإما أن يكون الجميع منحطين، وهل سمعت بأمة رجالها مهذبون متمدنون ونساؤها في غاية الجهل والتوحش والبعد عن الحياة؟.
ولماذا لا تصير المرأة حاكمة وملكة ورئيسة ومحامية ونائبة في مجلس النواب, وعينا في مجلس الأعيان؟، أليس سبيل ذلك كله هو العقل والخلق وقوة الذهن وحسن التدبير؟ وهل تتجرءون أن تدّعوا أن المرأة محرومة من العقل والتفكير لا تصلح لشيء إلا للنتاج كالفرس والبقرة؟ إذن لقد نزلتم بأمهاتكم إلى أسفل سافلين.
ولعمري أن مثل هذه الأفكار جديرة أن تحط الأمم من عليائها, وتسبغ عليها ثوب الخمول بل وتقبرها في رمس الهمجية.
كم من ملايين من النساء شاركت في الحرب العالمية الأخيرة؟ وعلى مذهبكم هذا البائس لا توجد امرأة واحدة من بين النساء المقبورات في سجن البيوت تقدر أن تضرب بسهم في الدفاع عن الوطن.
وأما ما تشاغبون به من العفاف، فهو عادة والعادات دائما عرضة للتغير وإن كان أمس من الأمور التي تلحظ بعين الاعتبار فهو اليوم من الأمور التي تدعو إلى السخرية، وقد رأينا عظماء الرجال في البلاد السعيدة ذات السيادة المطلقة وفيهم الفلاسفة والعلماء والأمراء والوزراء لا يعبئون بهذه الأمور ولا يحسبون لها حسابا وقد استقر عندهم أن الفتاة إذا بلغت سبع عشرة سنة فقد صارت حرة في نفسها تصنع ما تشاء وتخالط من تحب وتسافر وحدها ليلا ونهارا، ونحن نقتدي بهذه الأمم ونترسم خطاها في جميع الشؤون.
المذهب الثالث:
متوسط بين المذهبين السابقين قد أخذ خير كل منهما وصوابه، وترك شره وخطأه، وذلك أن تعلم المرأة تعليما يناسب ما خلقت له أولا وهو تدبير المنزل وملؤه سعادة ونظاما وجعله منبتا صالحا للبنين والبنات الأبرار. وثانيا لتكون عونا للرجل في جميع شؤونه المعاشية والحربية والخلقية.
قال أصحاب هذا المذهب: إن أهل المذهب الأول مفْرطون، وأصحاب المذهب الثاني مفرّطون، ونحن نرد عليهم جميعا، ونبين ما عندهم من الخطأ، بادئين بأهل المذهب الأول فنقول: