وأما ما يستدلون به أيضاً على دعواهم من أقوال الصحابة أو أفعالهم مثل أن صحابياً من الأنصار أصيب بسهام وهو يصلي فاستمرَّ في صلاته، روى قصَّته أبو داود وابن خُزَيمة والبيهقي، ومثل أن ابن عباس رضي الله عنه قال «اغسلوا أثر المحاجم عنكم وحسبَكم» رواه البيهقي. فهذه ليست أدلة أولاً، لأن قول الصحابي أو فعله ليس دليلاً، ثم إن الحديث الأول فيه عقيل بن جابر قال عنه الذهبي: لا يُعرف. وفي الحديث الثاني رجل مجهول، فالحديثان ضعيفان. ثم إن ما سبق وسقناه من فعل ابن عمر أنه كان يتوضأ من الرعاف يخالف ما ذكروه وكلا الأمرين أفعال صحابة. فإذا كان الصحابة مختلفين في هذه المسألة فإن الدواعي تكون أكبر لعدم الاستدلال بآرائهم سيما وأن الحديث النبوي الصحيح يغنينا عن أقوالهم وافعالهم. ويمكن مراجعة بحث نجاسة الدم في [أعيان النجاسات] في [الفصل الثاني] ففيه مزيد بيان وتفصيل.
مسألة
لم يرد في القيح والصديد نصٌّ يفيد نجاستهما أو نقضهما للوضوء، إلا أننا بتحقيق المناط نتوصل إلى أن القيح نجس وناقض وليس كذلك الصديد، ذلك أن واقع القيح أنه دم فاسد أو متخلق من الدم، وحيث أن أصله نجس وناقض، فإن الفرع يتبع الأصل ويأخذ حكمه، وهذا رأي قتادة ومجاهد، ذكر ذلك عبد الرزاق. أما الصديد فليس كذلك، ولا يندرج تحت أي ناقض للوضوء، ولا تحت أية مادة نجسة، فيأخذ حكم الطاهر وغير الناقض.