هذه الأحاديث الصحيحة تفيد مشروعية المسح على الخفين والنعلين والجوربين، وهذا صار معلوماً عند الفقهاء السابقين والمتأخرين، فلا يؤبه بقول من خالف ذلك، ويكفي حديث جرير دليلاً على أن الآية لا تفيد النسخ لأن جريراً متأخر الإسلام، فقد روى أبو داود حديث جرير وزاد «قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة؟ قال: ما أسلمتُ إلا بعد نزول المائدة» . وروى الطبراني عن جرير قال «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين بعد نزول المائدة» . فهذا الحديث متأخر عن آية المائدة القائلة بغسل الأرجل، فلا تكون ناسخة له قطعاً، وكذلك حديث المغيرة متأخر عن نزول سورة المائدة لوقوعه في غزوة تبوك، ذكر ذلك أبو داود.
وكذلك ما رواه عوف بن مالك عند البزَّار والطبراني وأحمد « ... أَمَرَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك بالمسح على الخفين ... » وقد مرَّ قبل قليل بتمامه، قال أحمد: هذا أجود حديث في المسح على الخفين. وحسَّنه البخاري. وقال الهيثمي (رجاله رجال الصحيح) وهو نصٌّ في وقوع المسح في غزوة تبوك. ثم إن مالكاً روى في الموطأ حديث المغيرة «عن المغيرة بن
شُعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب لحاجته في غزوة تبوك ... فغسل يديه ومسح برأسه ومسح على الخفين ... » فهذا أيضاً نص صريح، فلا معنى للقول بنسخ الآية الكريمة لهذه الأحاديث، لأن المتقدم - وهو هنا الآية الكريمة - لا ينسخ المتأخر - وهو هنا الأحاديث - هذا في المسح عموماً.