ورغم كل ما سلف فقد ذهب أبو بكر بن داود الظاهري وغيره إلى إنكار المسح على الخفين، واستدلوا على دعواهم بآية المائدة التي ذكرت الوضوء وفيه غُسل الرِّجلين، وأمره - صلى الله عليه وسلم - بالغسل «واغسل رِجلك» وقوله بعد غُسل الرِّجلين «لا يقبل الله الصلاة من دونه» ، وقوله «ويل للأعقاب من النار» ، وردوا أحاديث المسح بالقول إنها منسوخة بآية المائدة. وهؤلاء قد أخطأوا خطأً كبيراً وتعسَّفوا في الاستنباط والاستدلال.
ولقد أحسن الشوكاني في الرد عليهم بقوله (أما الآية فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - المسح بعدها كما في حديث جرير المذكور في الباب، وأما حديث «واغسل رِجلك» فغاية ما فيه الأمر بالغسل وليس فيه ما يشعِر بالقصر، ولو سلم وجود ما يدل على ذلك لكان مخصصاً بأحاديث المسح المتواترة، وأما حديث لا يقبل الله الصلاة بدونه فلا ينتهض للاحتجاج به، فكيف يصلح لمعارضة الأحاديث المتواترة مع أنَّا لم نجده بهذا اللفظ من وجه يُعتدُّ به، وأما حديث «ويل للأعقاب من النار» فهو وعيد لمن مسح رجليه ولم يغسلهما، ولم يَرِد في مسح الخفين، فإن قلت هو عام فلا يقصر على السبب، قلت لا نسلِّم شموله لمن مسح على الخفين، فإنه يدع رجله كلها ولا يدع العقب فقط، سلَّمنا، فأحاديث المسح على الخفين مخصصة للماسح من ذلك الوعيد، أما دعوى النسخ فالجواب أن الآية عامة مطلقة باعتبار حالتي لبس الخف وعدمه، فتكون أحاديث الخفين مخصصة أو مقيدة، فلا نسخ ... ) .