و بقيت نقطة تتعلق بتغيير خلق الله أود أن أبحثها من زاوية أخرى. استدل الشيخ الألباني بما رُوي عن ابن مسعود «لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمِّصات والمتفلِّجات للحسن المغيِّرات خلق الله، ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في كتاب الله» رواه البخاري. على أن تغيير خلق الله علة لتحريم ما جاء في الحديث، وقاس عليها حلق اللحية لأنها حُسنٌ يُغير خلق الله فيدخل في اللعن، وأكد ذلك بقوله (ولا شك) وبقوله (كما لا يخفى) وكأن أحداً لا يخالفه فيما يقول. لقد قال هو نفسه إن تغيير خلق الله ليس حراماً كله، فقوله (لكي لا يتوهم أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع) يدل على أن هناك تغييراً لخلق الله محرَّماً، وأن هناك تغييراً غير محرَّم. فلْننطلق من هذه القاعدة التي وضعها هو، فنقول:
إن هذه القاعدة تنقض القول بأن تغيير خلق الله هو علة للتحريم، وذلك أن العلة في علم الأصول تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، وهذا يقضي بأن تحرِّم هذه العلة - وهي تغيير خلق الله -كلَّ فعل فيه تغيير، ولا تحرم أي فعل لا تغيير لخلق الله فيه، هذا هو معنى العلة وهذا هو مقتضاها. وحيث أن هناك أفعالاً فيها تغييرٌ لخلق الله ومع ذلك أجازها الشرع، فهذا دليل على أن التغيير ليس علة، لأن العلة مطَّردة دائماً، فإذا تخلَّفت مرة واحدة بطل كونها علة، وحيث أن الشرع نفسه أبطلها في حلق العانة ونتف الإبط وقص الأظافر وحلق شعر الرأس فقد دل ذلك على أن التغيير ليس علة لتحريم حلق اللحية. أما القول إن النصوص استثنت هذه الأحكام فهو ليس رداً على موضوع العلة، ومن هذه المقدمة ننطلق إلى شرح حديث «لعن الله الواشمات ... المغيرات خلق الله» .