صححنا طوالعها، ومسائل تفقدنا أحوالها فوجدنا جميعها باطلاً، ولم يصح الحكم في شيء منها، فإن كانت الدلالة على صحة مقالتهم صدقهم في بعض أحكامهم، فالدلالة على بطلانها كذبهم في بعضها[1].
الوجه الثاني: أن الحكايات المتضمنة لإصابتهم في بعض الأحوال ليست بأكثر من الحكايات عن أصحاب الفأل، وزجر الطير، والضرب بالحصى، والطرق، والعيافة، والكهانة، والخط، والحدس، وغيرها.
فإن كانت حكايات هؤلاء لاتدل على أن علومهم صحيحة فكذلك حكايات المنجمين[2].
الوجه الثالث: أن الشبهة تدخل على الناس من أمر المنجمين من قبيل أنهم يرون المنجم يصيب في مسألة تقع بين أمرين، كالجنين الذي لا يخلو من أن يكون ذكراً أو أنثى، أو المريض الذي لا يخلو من أن يصح أو يموت، أو الغائب الذي لا يخلو من أن يقيم بمكان أو يرحل عنه، ومن شأن الناس أن يحفظوا الصواب للعجب به، والشغف، ويتناسون الخطأ لأنه الأصل الذي يعرفونه، والأمر الذي يعهدونه، ومن ذا الذي يتحدث ممن قصد المنجم بأنه سأله فأخطأ؟ ومثل هذه المسائل التي يخبر المنجم فيها في الحكم بين أمرين تقع أحياناً للمعتوه والطفل فضلاً عن الرجل المتحذر[3].
الوجه الرابع: كيف يسلم للمنجمين ما يدعونه وأحدهم لا يعرف على التحقيق ما يحدث في منزله ولا ما يصلح أهله وولده، بل لا يعرف ما يصلحه في نفسه، ويؤثر عنه بعد هذا كله أنه يخبر بالغيب الذي لم يؤته [1] انظر: رسالة عيسى بن علي التي نقلها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/185) . [2] انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/228) . [3] انظر: "حكم علم النجوم": (ق11/أ، ب) .