ويحكما ... إن لهوت من حرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حرج إن شاء الله" [1] فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الجارية ترنمها بهذا البيت، ولو كان محرماً لزجرها عن ذلك، وإنما أجاب عن تساؤلها بأنه لا حرج عليها إن لهت.
ج- استدل أصحاب المذهب الثالث والقائلون بإباحة استماع الغناء المجرد:
1- قول الحق تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [2].
أن الطيبات في الآية الكريمة جمع، عرف بـ"أل"، فيشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزاء المستلذ، ومنه ما يستلذ سماعه من الأصوات، وهذا هو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن كما يطلق بإزاء الطاهر والحلال، وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام، فتدخل في أفراد المعاني الثلاثة كلها، ولو قصر العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر هو الظاهر، وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام بأن المراد "بالطيبات" في الآية المستلذات[3].
2- بما روى عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهما" [4].
3- بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "الغناء زاد الراكب"[5]. [1] الحديث رواه الأصبهاني في أماليه برقم 13 وقال: غريب من حديث عكرمة، لا أعلم رواه عنه إلا حسين. وهو حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وبه ضعفه الذهبي في ميزان الاعتدال 2/292 وذكره ابن عراق في تنْزيه الشريعة 2/223، وعزاه للدارقطني وقال: تفرد به حسين بن عبد الله عن عكرمة، وتفرد به عن حسين أويس عبد الله بن أويس، وحسين متروك، وأبو أويس ضعيف. والحديث ذكره الشوكاني في الفوائد 254 وقال: في إسناده متروك، وقد رواه أبو نعيم من غير طريقه. وذكره السيوطي في اللآليء 2/112، والفتني في التذكرة برقم 1977. [2] سورة الأعراف: الآية 157. [3] نيل الأوطار للشوكاني 8/105. [4] أخرجه البخاري برقم 907، وكتاب الجهاد باب الدرق برقم 2750، ومسلم برقم 892. [5] الأثر أخرجه البيهقي في السنن 5/68، وابن عبد البر في التمهيد 22/197