المبحث الأول: حكمة تحريم الخمر
اتفق الفقهاء على تحريم الخمر، لأنها أم الخبائث بسبب إفسادها للعقول، ولصدها عن ذكر الله وعن الصلاة، فضلاً عن إيقاعها للعداوة بين الناس، فهي رجس وعمل من أعمال الشيطان وأداة تلاعبه بالناس، من أجل هذا كانت محلاً للنهي، والأمر باجتنابها حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [1].
فالخمر أم الخبائث لأنها تفسد العقول والأبدان والأخلاق والأنفس والمجتمعات، وتحريم الخمر أشد من تحريم اللحوم الخبيثة[2]، فإن الخمر يجب اجتنابها مطلقاً ولا يجوز اقتناؤها، ويحرم بيعها وشراؤها والمساهمة فيها، لأن المفاسد الناشئة عنها أعظم من مفاسد الأطعمة الخبيثة[3]، وحيث إن الشارع قد حرم الخبائث لما فيها من الفساد والأضرار بالعقول والأبدان والأخلاق، فقد ظهر على الذين استحلوا بعض المحرمات من الأطعمة والأشربة من النقص بقدر ما فيها من المفسدة [4].
وفي هذا يقول ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان: "حرم الله شرب القطرة من الخمر وإن لم تحصل مفسدة الكثير لكون قليلها ذريعة إلى شرب كثيرها"[5].
وقال في إعلام الموقعين: "إن الله تعالى حرم الخمر لما فيها من المفاسد الكثيرة [1] سورة المائدة: الآية 90 - 91. [2] أي غير المذكاة وغير المأكول حتى ولو كانت مذكاة. [3] مجموع فتاوى ابن تيمية 20/336. [4] فقه الأشربة وحدها للدكتور عبد الوهاب عبد السلام طويلة صفحة 69. [5] 1/361.