كما أن فقهاء الشافعية: قد اختلفوا بشأن حكم الدم الباقي على اللحم والعظم وفي العروق من الحيوانات المأكولة المذبوحة، فمنهم من قال بأنه نجس معفو عنه، وهذا هو الظاهر، وقال آخرون إنه طاهر[1].
وذهب فقهاء الحنابلة: إلى القول بنجاسة الدم المسفوح، أما بالنسبة للدم الباقي على العروق والدم الباقي في خلل اللحم بعد الذبح وما يبقى من العروق فمباح، وعللوا هذا بأنه معفو عنه، وقال بعضهم إنه لا ينجس المرق بل يؤكل معها[2].
هذا: وقد اقتضت حكمة الله تعالى بعباده رفع الحرج عنهم باستثناء بعض الدماء من الأحكام السابق ذكرها من حيث التناول، وإمكان جعلها محلاً للتصرفات دفعاً لهذا الحرج ورفعاً للضيق، إما لسبب عدم الاحتراز عنها – أي عن بعض أنواع الدماء – مثل الدم المتبقى على العروق وما بين العظام وما اختلط باللحم، وأما بسبب الضرورة كما في حالة سد رمق العطش، أو بالنص عليه مثل حالة الكبد والطحال.
أولاً: الكبد والطحال اتفق العلماء على أن الكبد والطحال مستثنيان من تحريم الدم الشامل لجميع أنواعه، فرغم أنهما دمان إلا أنهما مباحان بالنص تناولاً، وبالتالي فإن هذا الاستثناء يسري بدوره على البيع والشراء، فالبيع يرد عليهما.
وقد تقرر هذا الاستثناء بالاتفاق بين الفقهاء استناداً إلى ما رواه عبد الله بن عمر[3] رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال". [1] نهاية المحتاج 1/239، ومغني المحتاج 1/112. [2] الإنصاف 1/309، وكشاف القناع 1/226. [3] الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن، من المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، كان من أشد الناس اتباعا للأثر، ولد بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، واستصغر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، توفي رضي الله عنه عام 73?. راجع: الاستيعاب في معرفة الأصحاب للقرطبي 1612، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 6/167-173 برقم 4825.