responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الموسوعة الفقهية الكويتية نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 43  صفحه : 111
الْوَرَعِ الْفَاسِدِ، كَحَال أَهْل الْوَسْوَسَةِ فِي النَّجَاسَاتِ، وَوَرَعِ قَوْمٍ يَعُدُّونَ غَالِبَ أَمْوَال النَّاسِ أَوْ كُلَّهَا مُحَرَّمَةً أَوْ مُشْتَبِهَةً، وَلِهَذَا يَحْتَاجُ الْمُتَدَيِّنُ الْمُتَوَرِّعُ إِلَى عِلْمٍ كَثِيرٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ، وَإِلاَّ فَقَدْ يُفْسِدُ تَوَرُّعُهُ الْفَاسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ [1] .

الثَّالِثَةُ: جِهَةُ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ جِهَةُ فَسَادِهِ يَقْتَضِي تَرْكَهُ فَيَلْحَظُهُ الْمُتَوَرِّعُ، وَلاَ يَلْحَظُ مَا يُعَارِضُهُ مِنَ الصَّلاَحِ الرَّاجِحِ، وَبِالْعَكْسِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ جَعَل الْوَرَعَ التَّرْكَ فَقَطْ، وَأَدْخَل فِي هَذَا الْوَرَعِ أَفْعَال قَوْمٍ ذَوِي مَقَاصِدَ صَالِحَةٍ بِلاَ بَصِيرَةٍ مِنْ دِينِهِمْ، وَأَعْرَضَ عَمَّا فَوَّتُوهُ بِوَرَعِهِمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ الرَّاجِحَةِ، فَإِنَّ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ دِينِ الإِْسْلاَمِ أَعْظَمُ مِمَّا أَدْرَكَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَعِيبُ أَقْوَامًا هُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ أَقْرَبُ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَنْفَعَتُهَا لِهَذَا الضَّرْبِ وَأَمْثَالِهِ كَثِيرَةٌ: فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا أَهْل الْوَرَعِ النَّاقِصِ أَوِ الْفَاسِدِ، وَكَذَلِكَ أَهْل الزُّهْدِ النَّاقِصِ أَوِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّ الزُّهْدَ الْمَشْرُوعَ الَّذِي بِهِ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ عَدَمُ الرَّغْبَةِ فِيمَا لاَ يَنْفَعُ مِنْ فُضُول الْمُبَاحِ، فَتَرْكُ فُضُول الْمُبَاحِ الَّذِي لاَ يَنْفَعُ فِي

[1] مجموع الفتاوى 20 / 139، 140 و 29 / 312 بتصرف.
الدِّينِ زُهْدٌ وَلَيْسَ بِوَرَعٍ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الْحِرْصَ وَالرَّغْبَةَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الدَّارِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَال وَالسُّلْطَانِ مُضِرٌّ، كَمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَال وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ [1] . فَذَمَّ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْحِرْصَ عَلَى الْمَال وَالشَّرَفِ، وَهُوَ الرِّيَاسَةُ وَالسُّلْطَانُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الدِّينَ مِثْل أَوْ فَوْقَ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ لِزَرِيبَةِ الْغَنَمِ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحِرْصَ إِنَّمَا ذُمَّ لأَِنَّهُ يُفْسِدُ الدِّينَ الَّذِي هُوَ الإِْيمَانُ وَالْعَمَل الصَّالِحُ، فَكَانَ تَرْكُ هَذَا الْحِرْصِ لِصَالِحِ الْعَمَل. وَهَذَانِ هُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [2] } ، وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ حَيْثُ افْتَتَحَهَا بِأَمْرِ فِرْعَوْنَ، وَذَكَرَ عُلُوَّهُ فِي الأَْرْضِ، وَهُوَ الرِّيَاسَةُ وَالشَّرَفُ وَالسُّلْطَانُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِهَا قَارُونَ وَمَا أُوتِيَهُ مِنَ الأَْمْوَال، وَذَكَرَ عَاقِبَةَ سُلْطَانِ هَذَا وَعَاقِبَةَ مَال هَذَا، ثُمَّ قَال: {تِلْكَ الدَّارُ الآْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي

[1] حديث كعب بن مالك: " ما ذئبان جائعان. . . " أخرجه الترمذي (4 / 588 ـ ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.
[2] سورة الحاقة / 28 - 29.
نام کتاب : الموسوعة الفقهية الكويتية نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 43  صفحه : 111
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست