responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المحلى بالآثار نویسنده : ابن حزم    جلد : 5  صفحه : 31
وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَوَاهِيَةٌ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا إمَّا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مُرْسَلَةٌ، وَإِمَّا مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ، وَإِمَّا مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَأَحْسَنُهَا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُوَافِقَةُ لِقَوْلِنَا، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ فِي الثَّلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، إلَّا أَنَّ هَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ.
وَالْحَنَفِيُّونَ يُبْطِلُونَ السُّنَنَ الصِّحَاحَ -: كَنَفْيِ الزَّانِي، وَحَدِيثِ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ، وَحَدِيثِ رَضَاعِ سَالِمٍ، وَغَيْرِهَا؛ لِزَعْمِهِمْ: أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، أَوْ مُخَالِفَةٌ لَهُ، وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِأَخْبَارٍ سَاقِطَةٍ لَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفَةٌ لَهُ، ثُمَّ خَالَفُوهَا مَعَ ذَلِكَ فِي تَخْصِيصِهِمْ الْمُقْعَدِ.
وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي تَخْصِيصِ الْمُقْعَدِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْأَعْرَجَ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إذَا وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى؛ فَخَالَفُوا مَا فِي الْآيَةِ وَحَكَمُوا بِهَا فِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَجَبَ طَلَبُ الْبُرْهَانِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَكَانَ هَذَا عُمُومًا لِكُلِّ اسْتِطَاعَةٍ بِمَالٍ أَوْ جِسْمٍ هَذَا الَّذِي يُوجِبُهُ لَفْظُ الْآيَةِ ضَرُورَةً، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ مُقْعَدٌ وَلَا أَعْمَى وَلَا أَعْرَجُ إذَا كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ الرُّكُوبَ وَمَعَهُمْ سِعَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ عَلَيْهِمْ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ، وَهُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الشَّدِّ وَالتَّحَفُّظِ وَالْجَرْيِ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَجٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْأَعْرَجِ وَالْأَعْمَى؛ وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا.
وَبَقِيَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ جِسْمٍ إلَّا أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِلَا أُجْرَةٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا؛ فَوَجَدْنَا اللُّغَةَ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَبِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَلْزَمَنَا إيَّاهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا فِي أَنَّهُ يُقَالُ: الْخَلِيفَةُ مُسْتَطِيعٌ لِفَتْحِ بَلَدِ كَذَا، وَلِنَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِ - وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مُثْبَتًا - لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ لِذَلِكَ بِأَمْرِهِ وَطَاعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي نَصِّ الْآيَةِ.

نام کتاب : المحلى بالآثار نویسنده : ابن حزم    جلد : 5  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست