responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المحلى بالآثار نویسنده : ابن حزم    جلد : 12  صفحه : 420
يَقُولُ: إنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ «فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ - أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتِهِ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفُ الْيَهُودِ، وَكَانَ مُنَافِقًا - قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، قَالَ: فَأَتَى الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، قَالَ: فَهَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي رَأَيْتُهَا، كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ، فَقُلْتُ: أَفَلَا تَنَشَّرْتَ؟ قَالَ: أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ عَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَحَرَهُ، فَلَمْ يَقْتُلْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا - وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْكَافِرَ إذَا أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ وَجَبَ قَتْلُهُ، وَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَأَنَّ الْمُنَافِقَ إذَا عُرِفَ وَجَبَ قَتْلُهُ؟ قُلْنَا: إنَّنَا كَذَلِكَ نَقُولُ، لِأَنَّ الْبُرْهَانَ قَامَ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ - إذَا أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَإِنَّمَا حُرِّمَتْ دِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْتِزَامِ الصَّغَارِ، فَإِذَا فَارَقُوا الصَّغَارَ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ، وَسَقَطَ تَحْرِيمُ دِمَائِهِمْ، وَعَادَتْ حَلَالًا كَمَا كَانَتْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ دِمَاءَهُمْ أَبَدًا إلَّا بِالصَّغَارِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصِّغَارُ فَدِمَاؤُهُمْ لَمْ تَحْرُمْ، وَهُمْ إذَا أَضَرُّوا بِمُسْلِمٍ فَلَمْ يَصْغُرْ وَهُمْ وَقَدْ أَصْغَرُوهُ، فَدِمَاؤُهُمْ حَلَالٌ.
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ - فَإِذَا عُرِفَ أَنَّهُ كَافِرٌ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَافْتَلُوهُ» فَهَذَا الْمُنَافِقُ أَوْ الْيَهُودِيُّ، نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، وَلَا بِقَتْلِ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ الصَّغَارَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

نام کتاب : المحلى بالآثار نویسنده : ابن حزم    جلد : 12  صفحه : 420
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست