responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المحلى بالآثار نویسنده : ابن حزم    جلد : 1  صفحه : 262
فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْوُضُوءَ نِعْمَ الْعَمَلُ، وَأَنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 110] فَهَلْ دَلَّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى لَيْسَ فَرْضًا؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ فَرْضًا لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ قَبْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرْعٌ وَارِدٌ وَحُكْمٌ زَائِدٌ نَاسِخٌ لِلْحَالَةِ الْأُولَى بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ النَّاسِخِ بِيَقِينٍ، وَالْأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانُوا عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَالْغُبَارِ مِنْ الْعَوَالِي فَتَثُورُ لَهُمْ رَوَائِحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» أَوْ «أَوَلَا تَغْتَسِلُونَ» . فَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَكُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالطِّيبَ وَالسِّوَاكَ، وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَوْ يَكُونَ بَعْدَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ قَبْلَ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَجَابِرٌ، فَلَا يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لِلْمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ بَعْدَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إيجَابِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ وَأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْإِيجَابِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا عَلَى إسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْصُوصِ عَلَى إثْبَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَبْكِيتٌ لِمَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمُوجِبَ فَقَطْ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ الْمُتَيَقَّنِ لَا إسْقَاطٌ لَهُ، فَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَوَاصَلَ بِهِمْ» تَنْكِيلًا لَهُمْ، أَفَيَسُوغُ فِي عَقْلِ أَحَدٍ أَنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ؟ وَكُلُّ مَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُهُ وَلَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ أَنَّهُ نَدْبٌ، إلَّا بِنَصٍّ جَلِيٍّ بِذَلِكَ، مَقْطُوعٌ عَلَى أَنَّهُ وَارِدٌ بَعْدَهُ، مُبَيِّنٌ أَنَّهُ - نَدْبٌ أَوْ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ، لَا بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمَتْرُوكِ لَهَا الْيَقِينُ.

نام کتاب : المحلى بالآثار نویسنده : ابن حزم    جلد : 1  صفحه : 262
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست