نام کتاب : الفقه على المذاهب الأربعة نویسنده : عبد الرحمن الجزيري جلد : 4 صفحه : 230
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كانت في القرآن، والفرض أن القرآن هو ما ثبت بالتواتر، وكل ما لا يثبت بالتواتر لا يكون قرآناً، فهذا ليس بقرآن، ومتى ثبت أنه ليس بقرآن فإنه لا يصح الاحتجاج به، فإن قلتم: إنه لا يلزم من انتفاء كونه قرآناً انتفاء الحكم، لأنه يكون من قبيل الحديث الثابت بخبر الآحاد، قلنا: وهذا أيضاً لا يصح لأن عائشة لم تروه على أنه حديث، وعلى فرض أنها روته كذلك فإنكم قلتم: إنه صح نفيه: فيقال: إن خمس رضعات يحرمن ليست بقرآن ومتى صح ذلك فإن الحكم الذي دل عليه اللفظ ينتفي طبعاً، ولا يقال أيضاً: إن خبر عائشة يفيد أنه كان قرآناً قطعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بقرآن بالنسبة لنا لعدم تواتره، لأنا نقول: إن خبر عائشة لا يفيد إلا الظن فمن أين يأتي القطع؟
أما الجواب عن الاعتراض الثاني فإن القرآن قد تواتر نقله كلمة كلمة وحرفاً حرفاً وانحصر في الموجود بين دفتي المصحف، فلا يحتمل سقوط كلمة واحدة منه، فلا سبيل للقول بأن خمس رضعات كانت موجودة وسقطت، وقد دل الحديث على أنها كانت فيه، فلما لم تتواتر علمنا أن لفظها نسخ وبقي حكمها، وهذا الجواب حسن، ولكن نسخ اللفظ وبقاء معناه لم تظهر له فائدة ما معقولة، بل قد يقال عليه، ان نسخ الأحكام معقول لأنها تابعة لأحوال الأمم وتطوراتها، فلها فائدة واضحة، بل قد تكون الأحكام الوقتية ضرورية لأمة حديثة العهد بالتشريع، أما رفع اللفظ مع بقاء معناه فإن دل على شيء فإنه يدل على أن هذا اللفظ لا يناسب وضعه في هذه الجملة فلما وضع وظهر فساده حذف، وهذا مستحيل على الله تعالى العليم الخبير، ومع هذا فقد يقال: إن الحكم لا بد له من لفظ يدل عليه، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدل عليه؟ فإن قلتم أنه دل عليه قبل رفعه: قلنا وقد انتفت الدلالة بعد رفعه فلم يبق للحكم دليل فإن قلتم: إن دليل الحكم اللفظ الذي يبينه به الرسول، قلنا أن الحكم في هذه الحالة يكون ثابتاً بالحديث لا بالقرآن المنسوخ، فالحق أن القول بجواز نسخ اللفظ مع بقاء المعنى واه، ومع ذلك كله فأي دليل يدل على أن اللفظ نسخ وبقي معناه؟ أنه لا دليل لا في قول عائشة ولا في غيره.
وبعد، فقد أول بعض المحققين خبر عائشة هذا بأنه ليس الغرض منه أن ذلك كان آية من كتاب الله، بل كان حكماً من الأحكام الشرعية التي أوحى الله بها إلى رسوله في غير القرآن، وأمر القرآن باتباعها فمعنى قولها: كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات الخ، كان من بين الأحكام التي أنزلها الله على رسوله، وأمرنا باتباعها في القرآن أن عشر رضعات لا شك فيها يحرمن، ثم نسخ هذا الحكم بخمس رضعات معلومات يحرمن، وتوفي رسول الله وهذا حكم باق لم ينسخ، فأما كونه منزلاً موحى به فذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأما كوننا مأمورين باتباع ما جاء به الرسول من الأحكام فلأن الله تعالى قال: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ، فلو أن الشافعية والحنابلة رضوا بهذا التأويل لخرجت المسألة من كونها قرآناً إلى كونها حديثاً صحيحاً، وتكون دلالته على ما يريدونه ظاهرة، ومع ذلك فإن الشافعية قد أولوا قول عائشة فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ - بأنه يذكر حكمه - وهذا التأويل يقربهم إلى تأويل الحديث كله بالمعنى الذي أشرنا إليه، وقد جاء مثل هذا
نام کتاب : الفقه على المذاهب الأربعة نویسنده : عبد الرحمن الجزيري جلد : 4 صفحه : 230