responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 82
وَالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَهْلِ أَدْيَانٍ. هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] . وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُ مَنْ قَصَدَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَزِمَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا، كَالْمُسْلِمِينَ.
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] . فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ وَادَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّهُمَا كَافِرَانِ، فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا كَالْمُعَاهَدَيْنِ، وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ اخْتَارَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] . جَمْعًا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَارُ إلَى النَّسْخِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ لِلْآيَتَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ، إلَّا بِالْقِسْطِ، كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَمَتَى حَكَمَ بَيْنَهُمَا، أَلْزَمَهُمَا حُكْمُهُ، وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا، أَجْبَرَهُ عَلَى قَبُولِ حُكْمِهِ، وَأَخْذِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي الْعَهْدِ بِشَرْطِ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُبْحَثُ عَنْ أَمْرِهِمْ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ أَمْرِهِمْ، إلَّا أَنْ يَأْتُوا هُمْ، فَإِنْ ارْتَفَعُوا إلَيْنَا، أَقَمْنَا عَلَيْهِمْ الْحَدَّ، عَلَى مَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَيْضًا: حُكْمُنَا يَلْزَمُهُمْ، وَحُكْمُنَا جَائِزٌ عَلَى جَمِيعِ الْمِلَلِ، وَلَا يَدْعُوهُمَا الْحَاكِمُ، فَإِنْ جَاءُوا، حَكَمْنَا بِحُكْمِنَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، يُوجِبُ عُقُوبَةً، مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ، كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ، وَالْقَتْلِ، فَعَلَيْهِ إقَامَةُ حَدِّهِ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ كَانَ زَنَى جُلِدَ إنْ كَانَ بِكْرًا وَغُرِّبَ عَامًا، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ.
لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِيَهُودِيَّيْنِ، فَجَرَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا.» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَهُ: إنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ . فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَك. فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى أَنَسٌ، «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا بِحَجَرٍ، فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ حَجَرَيْنِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ، لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عُقُوبَتُهُ، كَالْكُفْرِ. وَإِنْ تَظَاهَرَ بِهِ، عُزِّرَ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ مُنْكَرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَعُزِّرَ عَلَيْهِ، كَالْمُسْلِمِ.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 82
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست