responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 615
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا يُقْصَدُ بِهِ فِي الْعُرْفِ التَّأْلِيمُ، فَلَا يَبَرُّ بِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الضَّرْبُ فِي الشَّرْعِ، فِي حَدٍّ، أَوْ تَعْزِيرٍ، كَانَ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْلِيمُ، كَذَا هَاهُنَا.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا]
(8159) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا، حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا يُشَافِهَهُ) أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى هَذَا. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا، قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ سَبَبَ ذَلِكَ؟ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ، وَلِمَ حَلَفَ إنَّ الْكِتَابَ قَدْ يَجْرِي مَجْرَى الْكَلَامِ، وَالْكِتَابُ قَدْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْكِتَابِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَوْ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ، وَتَرْكَ صِلَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ بِكِتَابٍ وَلَا رَسُولٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَكَلُّمٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهَذَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، فَيُقَالُ: مَا كَلَّمْتُهُ، وَإِنَّمَا كَاتَبْتُهُ أَوْ رَاسَلْتُهُ. وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] . وَقَالَ: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] .
وَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] . وَلَوْ كَانَتْ الرِّسَالَةُ تَكْلِيمًا، لَشَارَكَ مُوسَى غَيْرُهُ مِنْ الرُّسُلِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِكَوْنِهِ كَلِيمَ اللَّهِ وَنَجِيَّهُ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ، حِينَ مَاتَ بِشْرٌ الْحَافِي: لَقَدْ كَانَ فِيهِ أُنْسٌ، وَمَا كَلَّمْته قَطُّ. وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُرَاسَلَةٌ، وَمِمَّنْ قَالَ: لَا يَحْنَثُ بِهَذَا. الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ} [الشورى: 51] . فَاسْتَثْنَى الرَّسُولَ مِنْ التَّكَلُّمِ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِفْهَامِ الْآدَمِيِّينَ، أَشْبَهَ الْخِطَابَ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَكَلُّمٍ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] . وَالرَّمْزُ لَيْسَ بِتَكَلُّمٍ، لَكِنْ إنْ نَوَى تَرْكَ مُوَاصَلَتِهِ، أَوْ كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ، حَنِثَ؛ لِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: إنَّ الْكِتَابَ يَجْرِي مَجْرَى الْكَلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ.
فَلَمْ يَجْعَلْهُ كَلَامًا، إنَّمَا قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ إذَا كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَإِذَا أَطْلَقَ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَحْنَثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْحَالِفِ هَذِهِ الْيَمِينَ قَصْدُ تَرْكِ الْمُوَاصَلَةِ، فَتَعَلَّقَ يَمِينُهُ بِمَا يُرَادُ فِي الْغَالِبِ، كَقَوْلِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(8160) فَصْلٌ: وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ قَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ فِي الْإِفْهَامِ،

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 615
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست