responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 492
عَرَفْت شَيْئًا اسْتَحْقَقْته بِيَمِينِي، وَإِلَّا تَرَكْته، وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنَّ النَّخْلَ لَنَخْلِي، وَمَا لِأُبَيٍّ فِيهِ حَقٌّ. فَلَمَّا خَرَجَا وَهَبَ النَّخْلَ لِأُبَيٍّ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ الْيَمِينِ؟ فَقَالَ: خِفْت أَنْ لَا أَحْلِفَ، فَلَا يَحْلِفُ النَّاسُ عَلَى حُقُوقِهِمْ بَعْدِي، فَيَكُونَ سُنَّةً. وَلِأَنَّهُ حَلِفُ صِدْقٍ عَلَى حَقٍّ، فَأَشْبَهَ الْحَلِفَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ.
الرَّابِعُ، الْمَكْرُوهُ، وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ، أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224] . وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْإِفْكِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور: 22] وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَلا يَأْتَلِ} [النور: 22] أَيْ لَا يَمْتَنِعْ. وَلِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ مَانِعَةٌ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ، أَوْ حَامِلَةٌ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ، فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لَأَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ: " لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ ". فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهَا. وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ قَالَ: " أَفْلَحَ الرَّجُلُ إنْ صَدَقَ ". قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ هَذَا، فَإِنَّ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِهَا، لَا تَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ مَا تَرَكَهُ تَطَوُّعٌ، وَقَدْ بَيَّنَهُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: " إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ ". وَلِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ إنْ تَضَمَّنَتْ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ، فَقَدْ تَنَاوَلَتْ فِعْلَ الْوَاجِبِ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهِ كُلِّهِ، بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْئًا، وَهَذَا فِي الْفَضْلِ يَزِيدُ عَلَى مَا قَابَلَهُ مِنْ تَرْكِ التَّطَوُّعِ، فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْإِثْبَاتِ بِهَا عَلَى تَرْكِهَا، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْدُوبِ، فَكَيْفَ يُنْكَرُ، وَلِأَنَّ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى هَذِهِ الْيَمِينِ بَيَانَ حُكْمٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ تَرْكَ التَّطَوُّعِ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ عَلَى الْحَالِفِ، لَحَصَلَ ضِدُّ هَذَا، وَتَوَهَّمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لُحُوقَ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ فَيَفُوتُ الْغَرَضُ.
وَمِنْ قِسْمِ الْمَكْرُوهِ الْحَلِفُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْحَلِفُ مُنْفِقٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقٌ لِلْبَرَكَةِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ، الْمُحَرَّمُ، وَهُوَ الْحَلِفُ الْكَاذِبُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ذَمَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14] . وَلِأَنَّ الْكَذِبَ حَرَامٌ، فَإِذَا كَانَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ، كَانَ أَشَدَّ فِي التَّحْرِيمِ. وَإِنْ أَبْطَلَ بِهِ حَقًّا، أَوْ اقْتَطَعَ بِهِ مَالَ مَعْصُومٍ، كَانَ أَشَدَّ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَاجِرَةً، يَقْتَطِعُ بِهَا

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 492
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست