responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 318
وَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، فَعَدَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ» .
وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ أَنَّ هَذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ خَاصَّةً وَلَا يَجِبُ فِي غَيْرِهَا، وَالْأَمْرُ مُطْلَقٌ وَخَبَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامٌّ، فَلَا يَجُوزُ التَّقْيِيدُ وَالتَّخْصِيصُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الثَّبَاتُ بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ لَا يَزِيدُونَ عَلَى ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ زَادُوا عَلَيْهِ جَازَ الْفِرَارُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] .
وَهَذَا إنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ، فَهُوَ أَمْرٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] وَلَوْ كَانَ خَبَرًا عَلَى حَقِيقَتِهِ، لَمْ يَكُنْ رَدُّنَا مِنْ غَلَبَةِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ إلَى غَلَبَةِ الِاثْنَيْنِ تَخْفِيفًا، وَلِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى صِدْقٌ لَا يَقَعُ بِخِلَافِ مُخْبِرِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الظَّفَرَ وَالْغَلَبَةَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِيهِ ضِعْفَ الْمُسْلِمِينَ فَمَا دُونَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ وَفَرْضٌ، وَلَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يَنْسَخُ هَذِهِ الْآيَةَ، لَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ تَخْفِيفٌ فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] /إلَى قَوْلِهِ: {يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْعَدَدِ، نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنْ الْعَدَدِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ، فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَرَّ الثَّانِي، أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفِرَارِهِ التَّحَيُّزَ إلَى فِئَةٍ، وَلَا التَّحَرُّفَ لِقِتَالٍ، فَإِنْ قَصَدَ أَحَدَ هَذَيْنِ، فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] .
وَمَعْنَى التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ، أَنْ يَنْحَازَ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فِيهِ أَمْكَنَ، مِثْلُ أَنْ يَنْحَازَ مِنْ مُوَاجَهَةِ الشَّمْسِ، أَوْ الرِّيحِ إلَى اسْتِدْبَارِهِمَا أَوْ مِنْ نَزْلَةٍ إلَى عُلُوٍّ، أَوْ مِنْ مَعْطَشَةٍ إلَى مَوْضِعِ مَاءٍ، أَوْ يَفِرَّ بَيْنَ أَيْدِيهمْ لِتَنْتَقِضَ صُفُوفُهُمْ، أَوْ تَنْفَرِدَ خَيْلُهُمْ مِنْ رَجَّالَتِهِمْ، أَوْ لِيَجِدَ فِيهِمْ فُرْصَةً، أَوْ لِيَسْتَنِدَ إلَى جَبَلٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا فِي خُطْبَتِهِ إذْ قَالَ: يَا سَارِيَةُ بْنُ زُنَيْمٍ، الْجَبَلَ، ظَلَمَ الذِّئْبَ مَنْ اسْتَرْعَاهُ الْغَنَمَ. فَأَنْكَرَهَا النَّاسُ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دَعُوهُ. فَلَمَّا نَزَلَ سَأَلُوهُ عَمَّا قَالَ، فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ سَارِيَةَ إلَى نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ لِغَزْوِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ ذَلِكَ الْجَيْشُ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ لَقُوا عَدُوَّهُمْ يَوْمَ جُمُعَةَ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَسَمِعُوا صَوْتَ عُمَرَ فَتَحَيَّزُوا إلَى الْجَبَلِ، فَنَجَوْا مِنْ عَدُوِّهِمْ فَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمْ

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 318
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست