responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 298
فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ، فَكَذَا هَا هُنَا، وَلِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ إنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ صَغَارٍ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ، وَالْأَسْرُ، وَسَبْيُ الذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ يُفْضِي سَبْيُهُمْ إلَى كُفْرِهِمْ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فِي الْمَغَازِي، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ - يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ -: أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَك ثُلُثَ تَمْرِ الْأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ، وَتَخْذُلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْت لِي الشَّطْرَ فَعَلْت» . قَالَ مَعْمَرٌ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، «أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ يَجُرُّ سُرْمَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي عَامِ السَّنَةِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، مَا يُطِيقُ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَالْآنَ حِينَ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَنَعَمْ إذًا» .
وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لِمَا بَذَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِيَ «أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو الْغَطَفَانِيَّ، بَعَثَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنْ جَعَلْت لِي شَطْرَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ، وَإِلَّا مَلَأْتهَا عَلَيْك خَيْلًا وَرَجْلًا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَتَّى أُشَاوِرَ السُّعُودَ يَعْنِي. سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَسَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ، فَشَاوَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ السَّمَاءِ، فَتَسْلِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ بِرَأْيِك وَهَوَاك، اتَّبَعْنَا رَأْيَك وَهَوَاك، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرًا مِنْ السَّمَاءِ وَلَا بِرَأْيِك وَهَوَاك، فَوَاَللَّهِ مَا كُنَّا نُعْطِيهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بُسْرَةً وَلَا تَمْرَةً إلَّا شِرَاءً أَوْ قِرًى، فَكَيْفَ وَقَدْ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَسُولِهِ: أَتَسْمَعُ؟» فَعَرَضَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَعْلَمَ ضَعْفَهُمْ مِنْ قُوَّتِهِمْ، فَلَوْلَا جَوَازُهُ عِنْدَ الضَّعْفِ، لِمَا عَرَضَهُ عَلَيْهِمْ.

[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ وَلَا الذِّمَّةِ إلَّا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ]
(7593) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ وَلَا الذِّمَّةِ إلَّا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَعَ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ وَمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّ تَجْوِيزَهُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ إلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَفِيهِ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ.
فَإِنْ هَادَنَهُمْ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبُهُ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ بِهَذَا الصُّلْحِ، كَانَ آمِنًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مُعْتَقِدًا لِلْأَمَانِ، وَيُرَدُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا يُقَرُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ عَقَدَ الْإِمَامُ الْهُدْنَةَ، ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ، لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ، وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ نَقْضُ أَحْكَامِ مَنْ قَبْلَهُ بِاجْتِهَادِهِ.
وَإِذَا عَقَدَ الْهُدْنَةَ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] . وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفِ بِهَا، لَمْ يُسْكَنْ إلَى عَقْدِهِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى عَقْدِهَا، فَإِنْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، جَازَ قِتَالُهُمْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12] .

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 298
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست