responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 244
وَالثَّانِيَةُ، الْقَوْلُ، قَوْلُ الْأَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ صِدْقَهُ وَحَقْنَ دَمِهِ، فَيَكُونُ هَذَا شُبْهَةً تَمْنَعُ مِنْ قَتْلِهِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَالثَّالِثَةُ، يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ مَنْ ظَاهِرُ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ؛ فَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ ذَا قُوَّةٍ، مَعَهُ سِلَاحُهُ، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا مَسْلُوبًا سِلَاحُهُ، فَالظَّاهِرُ كَذِبُهُ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَمَانِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ كَافِرٌ، لَمْ يَثْبُتْ أَسْرُهُ، وَلَا نَازَعَهُ فِيهِ مُنَازِعٌ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَمَانُ، كَالرَّسُولِ.

[فَصْل طَلَبَ الْأَمَان لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ]
(7485) فَصْل وَمَنْ طَلَبَ الْأَمَانُ لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهَ، وَيَعْرِفَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَجَبَ أَنْ يُعْطَاهُ، ثُمَّ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَمَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ إلَى النَّاسِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] . قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانُ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمِنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤَمِّنُ رُسُلَ الْمُشْرِكِينَ.
وَلَمَّا جَاءَهُ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ، قَالَ: «لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمَا» . وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّنَا لَوْ قَتَلْنَا رُسُلَهُمْ، لَقَتَلُوا رُسُلَنَا، فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْمُرَاسَلَةِ. وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً، بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا مُقَيَّدَةً؛ لِأَنَّ فِي جَوَازِهَا مُطْلَقًا تَرْكًا لِلْجِهَادِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَيَجُوزُ أَنْ يُقِيمُوا مُدَّةَ الْهُدْنَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُتْرَكُ الْمُشْرِكُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُؤَدِّيَ. فَقَالَ أَحْمَدُ إذَا أَمَّنْته، فَهُوَ عَلَى مَا أَمَّنْته. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ سَنَةً بِغَيْرِ جِزْيَةٍ.
وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ هَذَا كَافِرٌ أُبِيحَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ جِزْيَةٍ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ جِزْيَةٌ، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلِأَنَّ الرَّسُولَ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُجَوِّزُ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُ، يَسْتَوِي فِي حَقِّهِ السَّنَةُ وَمَا دُونَهَا، فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الْمُدَّتَيْنِ، فَإِذَا جَازَتْ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي إحْدَاهُمَا، جَازَتْ فِي الْأُخْرَى، قِيَاسًا لَهَا عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] . أَيْ يَلْتَزِمُونَهَا، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْإِعْطَاءِ، وَهَذَا مَخْصُوصٌ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِقَامَةُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لَهَا، وَلِأَنَّ الْآيَةَ تَخَصَّصَتْ بِمَا دُونَ الْحَوْلِ، فَنَقِيسَ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 244
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست