responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 151
قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: كَانَ مَنْفَى النَّاسِ إلَى بَاضِعَ، مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ أَقْصَى تِهَامَةِ الْيَمَنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُحْبَسُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُنْفَى إلَيْهِ، كَقَوْلِهِ فِي الزَّانِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نَفْيُهُ حَبْسُهُ حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً. وَنَحْوُ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْحَالِ: يُعَزِّرُهُمْ الْإِمَامُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَحْبِسَهُمْ حَبَسَهُمْ. وَقِيلَ عَنْهُ: النَّفْيُ طَلَبُ الْإِمَامِ لَهُمْ لِيُقِيمَ فِيهِمْ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَحْبِسُهُمْ فِي غَيْرِ بَلَدِهِمْ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ. وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَشْرِيدَهُمْ إخْرَاجٌ لَهُمْ إلَى مَكَان يَقْطَعُونَ فِيهِ الطَّرِيقَ، وَيُؤْذُونَ بِهِ النَّاسَ، فَكَانَ حَبْسُهُمْ أَوْلَى. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، مَعْنَاهَا أَنَّ نَفْيَهُمْ طَلَبُ الْإِمَامِ لَهُمْ، فَإِذَا ظَفِرَ بِهِمْ عَزَّرَهُمْ بِمَا يَرْدَعُهُمْ.
وَلَنَا ظَاهِرُ الْآيَةِ، فَإِنَّ النَّفْيَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَالْحَبْسُ إمْسَاكٌ، وَهُمَا يَتَنَافَيَانِ. فَأَمَّا نَفْيُهُمْ إلَى غَيْرِ مَكَان مُعَيَّنٍ، فَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] . وَهَذَا يَتَنَاوَلُ نَفْيَهُ مِنْ جَمِيعِهَا. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِنَفْيِ الزَّانِي، فَإِنَّهُ يُنْفَى إلَى مَكَان يُحْتَمَلُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الزِّنَا فِيهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا قَدْرَ مُدَّةِ نَفْيِهِمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَتَقَدَّرَ مُدَّتُهُ بِمَا تَظْهَرُ فِيهِ تَوْبَتُهُمْ، وَتَحْسُنُ سِيرَتُهُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنْفَوْا عَامًا، كَنَفْيِ الزَّانِي.

[مَسْأَلَةٌ تَوْبَةُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ]
(7327) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ، سَقَطَتْ عَنْهُمْ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأُخِذُوا بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ؛ مِنْ الْأَنْفُسِ، وَالْجِرَاحِ، وَالْأَمْوَالِ، إلَّا أَنْ يُعْفَى لَهُمْ عَنْهَا) لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] . فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ، وَغَرَامَةُ الْمَالِ وَالدِّيَةُ لِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ.
فَأَمَّا إنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] . فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ، ثُمَّ اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، فَمَنْ عَدَاهُمْ يَبْقَى عَلَى قَضِيَّةِ الْعُمُومِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَوْبَةُ إخْلَاصٍ، وَبَعْدَهَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقِيَّةٌ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، تَرْغِيبًا فِي تَوْبَتِهِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ مُحَارَبَتِهِ وَإِفْسَادِهِ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ الْإِسْقَاطُ عَنْهُ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَرْغِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْ الْفَسَادِ وَالْمُحَارَبَةِ.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 9  صفحه : 151
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست