responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 7
الثَّانِي أَنْ يَصِفَهَا بِصِفَاتِ الْوَقْفِ، فَيَقُولَ: صَدَقَةٌ لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ تُزِيلُ الِاشْتِرَاكَ. الثَّالِثُ، أَنْ يَنْوِيَ الْوَقْفَ، فَيَكُونَ عَلَى مَا نَوَى، إلَّا أَنَّ النِّيَّةَ تَجْعَلُهُ وَقْفًا فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ، لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِمَا نَوَاهُ، لَزِمَ فِي الْحُكْمِ؛ لِظُهُورِهِ، وَإِنْ قَالَ: مَا أَرَدْت الْوَقْفَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا نَوَى.

[فَصْلٌ الْوَقْفَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ]
(4373) فَصْلٌ: وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَقْفَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا، وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ مَقْبَرَةً، وَيَأْذَنَ فِي الدَّفْنِ فِيهَا، أَوْ سِقَايَةً، وَيَأْذَنَ فِي دُخُولِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَأَبِي طَالِبٍ، فِي مَنْ أَدْخَلَ بَيْتًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَذِنَ فِيهِ، لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ. وَكَذَلِكَ إذَا اتَّخَذَ الْمَقَابِرَ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ، وَالسِّقَايَةَ، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا إلَّا بِالْقَوْلِ
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَأَخَذَهُ الْقَاضِي مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ، إذْ سَأَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ رَجُلٍ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ، لِيَجْعَلَهَا مَقْبَرَةً، وَنَوَى بِقَلْبِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ الْعَوْدُ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ جَعَلَهَا لِلَّهِ، فَلَا يَرْجِعْ. وَهَذَا لَا يُنَافِي الرِّوَايَةَ الْأُولَى، فَإِنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ جَعَلَهَا لِلَّهِ أَيْ نَوَى بِتَحْوِيطِهَا جَعْلَهَا لِلَّهِ. فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا، إذْ مَنَعَهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِمُجَرَّدِ التَّحْوِيطِ مَعَ النِّيَّةِ. وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: جَعَلَهَا لِلَّهِ
أَيْ: اقْتَرَنَتْ بِفِعْلِهِ قَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ، مِنْ إذْنِهِ لِلنَّاسِ فِي الدَّفْنِ فِيهَا، فَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى بِعَيْنِهَا، وَإِنْ أَرَادَ وَقْفًا بِلِسَانِهِ، فَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّحْوِيطِ وَالنِّيَّةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الرِّوَايَةَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى انْضَمَّ إلَى فِعْلِهِ إذْنُهُ لِلنَّاسِ فِي الدَّفْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ، فَانْتَفَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَصَارَ الْمَذْهَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ هَذَا تَحْبِيسُ أَصْلٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ بِدُونِ اللَّفْظِ، كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ
وَلَنَا أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْوَقْفِ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ، كَالْقَوْلِ، وَجَرَى مَجْرَى مَنْ قَدَّمَ إلَى ضَيْفِهِ طَعَامًا، كَانَ إذْنًا فِي أَكْلِهِ، وَمَنْ مَلَأَ خَابِيَةَ مَاءٍ عَلَى الطَّرِيقِ، كَانَ تَسْبِيلًا لَهُ، وَمَنْ نَثَرَ عَلَى النَّاسِ نِثَارًا، كَانَ إذْنًا فِي الْتِقَاطِهِ، وَأُبِيحَ أَخْذُهُ. وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ، وَاسْتِعْمَالُ مَائِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ مُبَاحٌ بِدَلَالَةِ الْحَالِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَلَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ بِغَيْرِ لَفْظٍ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، أَوْ دَلَّتْ الْحَالُ عَلَيْهِ، كَانَ كَمَسْأَلَتِنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست