responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 63
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور: 61]
ثُمَّ ذَكَرَ بُيُوتَ سَائِرِ الْقَرَابَاتِ إلَّا الْأَوْلَادَ لَمْ يَذْكُرْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي قَوْلِهِ: {بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] . فَلَمَّا كَانَتْ بُيُوتُ أَوْلَادِهِمْ كَبُيُوتِهِمْ، لَمْ يَذْكُرْ بُيُوتَ أَوْلَادِهِمْ. وَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ، فَكَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَمَالِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا أَحَادِيثُهُمْ، فَأَحَادِيثُنَا تَخُصُّهَا وَتُفَسِّرُهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ مَالَ الِابْنِ مَالًا لِأَبِيهِ، بِقَوْلِهِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» . فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا
وَقَوْلُهُ: «أَحَقُّ بِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ» مُرْسَلٌ، ثُمَّ هُوَ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ حَقِّهِ عَلَى حَقِّهِ، لَا عَلَى نَفْيِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْوَلَدُ أَحَقُّ مِنْ الْوَالِدِ بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ.

[فَصْلٌ لَيْسَ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنِ عَلَيْهِ]
(4477) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ، فَجَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، كَغَيْرِهِ.
وَلَنَا «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِيهِ يَقْتَضِيهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» . رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ. وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ، فِي كِتَابِ " الْمُوَفَّقِيَّاتِ "، بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ رَجُلًا اسْتَقْرَضَ مِنْ ابْنِهِ مَالًا، فَحَبَسَهُ، فَأَطَالَ حَبْسَهُ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الِابْنُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَكَرَ قِصَّتَهُ فِي شِعْرٍ، فَأَجَابَهُ أَبُوهُ بِشَعْرٍ أَيْضًا، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
قَدْ سَمِعَ الْقَاضِي وَمِنْ رَبِّي الْفَهْم ... الْمَالُ لِلشَّيْخِ جَزَاءً بِالنِّعَمْ

يَأْكُلُهُ بِرَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغَمْ ... مَنْ قَالَ قَوْلًا غَيْرَ ذَا فَقَدْ ظَلَمْ

وَجَارَ فِي الْحُكْمِ وَبِئْسَ مَا جَرَمْ
قَالَ الزُّبَيْرُ: إلَى هَذَا نَذْهَبُ.
وَلِأَنَّ الْمَالَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْحُقُوقِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ أَبِيهِ بِهَا، كَحُقُوقِ الْأَبْدَانِ. وَيُفَارِقُ الْأَبُ غَيْرَهُ، بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ عَلَى وَلَدِهِ. وَإِنْ مَاتَ الِابْنُ، فَانْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى وَرَثَتِهِ، لَمْ يَمْلِكُوا مُطَالَبَةَ الْأَبِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَوْرُوثَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ، فَهُمْ أَوْلَى. وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ، رَجَعَ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْأَبِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا مَاتَ الْأَبُ، بَطَلَ دَيْنُ الِابْنِ. وَقَالَ فِي مَنْ أَخَذَ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ شَيْئًا فَأَنْفَقَهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ بَعْدِهِ، وَمَا أَصَابَتْ مِنْ الْمَهْرِ مِنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَخَذَتْهُ
وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ لَهُ مَا أَخَذَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ لَهُ، وَإِنْفَاقُهُ إيَّاهُ، دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ التَّمَلُّكِ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِذَلِكَ الْأَخْذِ. وَاَللَّهُ أَعْلَم.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 63
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست