responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 487
بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَهُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ ثَابِتَةٍ دَفْعَهَا إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ.
وَلَا تَعْمِيمَهُمْ بِهَا، بَلْ كَانَ يَدْفَعُهَا إلَى مَنْ تَيَسَّرَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِحِكْمَةِ الشَّرْعِ وَحُسْنِهِ، إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُكَلِّفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ، أَوْ صَاعٌ مِنْ الْبُرِّ، أَوْ نِصْفُ مِثْقَالٍ، أَوْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، دَفْعَهَا إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَفْسًا، أَوْ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، أَوْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ نَفْسًا، مِنْ ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ، لِكُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ ثُمُنُهَا، وَالْغَالِبُ تَعَذُّرُ وُجُودِهِمْ فِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ، وَعَجْزُ السُّلْطَانِ عَنْ إيصَالِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَعَ كَثْرَتِهِ إلَيْهِمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَكَيْفَ يُكَلِّفُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ جَمْعَهُمْ وَإِعْطَاءَهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْقَائِلُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَقَالَ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . وَقَالَ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
وَأَظُنُّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ دَفْعِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إنَّمَا يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ، وَمَا بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ هَذَا فِي صَدَقَةٍ مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَلَا أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ، وَلَا مِنْ صَحَابَتِهِ، وَلَا غَيْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ لَمَا أَغْفَلُوهُ، وَلَوْ فَعَلُوهُ مَعَ مَشَقَّتِهِ لَنُقِلَ وَمَا أُهْمِلَ، إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى أَهْلِ التَّوَاتُرِ إهْمَالُ نَقْلِ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهِ، سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَوُجُودِ ذَلِكَ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَفِي كُلِّ مِصْرٍ وَبَلَدٍ، وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْكَلَامُ فِيهَا فِيمَا تَقَدَّمَ.

[فَصْلٌ تَفْرِيق الصَّدَقَة عَلَى مَا أَمْكَنَ مِنْ أَصْنَافِهَا]
(5128) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَفْرِيقُهَا عَلَى مَا أَمْكَنَ مِنْ الْأَصْنَافِ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَتَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ.
فَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِتَفْرِيقِهَا السَّاعِي، اُسْتُحِبَّ إحْصَاءُ أَهْلِ السَّهْمَانِ مِنْ عَمَلِهِ، حَتَّى يَكُونَ فَرَاغُهُ مِنْ قَبْضِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ تَنَاهِي أَسْمَائِهِمْ، وَأَنْسَابِهِمْ، وَحَاجَاتِهِمْ، وَقَدْرِ كِفَايَاتِهِمْ، لِتَكُونَ تَفْرِقَتُهُ عَقِيبَ جَمْعِ الصَّدَقَةِ. وَيَبْدَأُ بِإِعْطَاءِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ أَقْوَى، وَلِذَلِكَ إذَا عَجَزَتْ الصَّدَقَةُ عَنْ أَجْرِهِ، تَمَّمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أَجْرٌ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» . ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَأَهَمُّهُمْ أَشَدُّ حَاجَةً، فَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ تَفِي بِحَاجَةِ

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 487
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست