responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 470
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى شِدَّةَ الْحَاجَةِ، وَيَسْتَعِيذَ مِنْ حَالَةٍ أَصْلَحَ مِنْهَا. وَلِأَنَّ الْفَقْرَ مُشْتَقٌّ مِنْ فَقْرِ الظَّهْرِ، فَعِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَفْقُودٌ، وَهُوَ الَّذِي نُزِعَتْ فِقْرَةُ ظَهْرِهِ، فَانْقَطَعَ صُلْبُهُ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
لَمَّا رَأَى لُبَدُ النُّسُورِ تَطَايَرَتْ ... رَفَعَ الْقَوَادِمَ كَالْفَقِيرِ الْأَعْزَلِ
أَيْ لَمْ يُطِقْ الطَّيَرَانَ، كَاَلَّذِي انْقَطَعَ صُلْبُهُ. وَالْمِسْكِينُ مِفْعِيلٌ مِنْ السُّكُونِ، وَهُوَ الَّذِي أَسْكَنَتْهُ الْحَاجَةُ، وَمَنْ كُسِرَ صُلْبُهُ أَشَدُّ حَالًا مِنْ السَّاكِنِ. فَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّ نَعْتَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمِسْكِينِ بِكَوْنِهِ ذَا مَتْرَبَةٍ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّعْتَ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ، كَمَا يُقَالُ: ثَوْبٌ ذُو عَلَمِ. وَيَجُوزُ التَّعْبِيرُ بِالْمِسْكِينِ عَنْ الْفَقِيرِ، بِقَرِينَةٍ وَبِغَيْرِ قَرِينَةٍ، وَالشِّعْرُ أَيْضًا حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ الْعِيَالِ، لَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدٌ، فَصَارَ فَقِيرًا لَا شَيْءَ لَهُ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى كَسْبِ مَا يَقَعْ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَلَا لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ مِنْ الْمَالِ الدَّائِمِ مَا يَقَعُ مُوقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَلَا لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَلَا قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ، مِثْلُ الزَّمْنَى وَالْمَكَافِيفِ وَهُمْ الْعُمْيَانُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَفِّ أَبْصَارِهِمْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فِي الْغَالِبِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى اكْتِسَابِ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَرُبَّمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] . وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ
أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مُعْظَمُ الْكِفَايَةِ، أَوْ نِصْفُ الْكِفَايَةِ مِثْلُ مَنْ يَكْفِيهِ عَشْرَةٌ فَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ مَكْسَبِهِ أَوْ غَيْرِهِ خَمْسَةٌ فَمَا زَادَ، وَاَلَّذِي لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا مَا لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، كَاَلَّذِي لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ أَوْ دُونَهَا، فَهَذَا هُوَ الْفَقِيرُ، وَالْأُوَلُ هُوَ الْمِسْكِينُ، فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُتِمُّ بِهِ كِفَايَتَهُ، وَتَنْسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُهَا وَإِغْنَاءُ صَاحِبِهَا، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَسْأَلُ، وَيُحَصِّلُ الْكِفَايَةَ أَوْ مُعْظَمَهَا مِنْ مَسْأَلَتِهِ، فَهُوَ مِنْ الْمَسَاكِينِ، لَكِنَّهُ يُعْطَى جَمِيعَ كِفَايَتِهِ، وَيُغْنَى عَنْ السُّؤَالِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ، وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ» .
قُلْنَا، هَذَا تَجَوُّزٌ، وَإِنَّمَا نَفْيُ الْمَسْكَنَةِ عَنْهُ مَعَ وُجُودِهَا فِيهِ حَقِيقَةً، مُبَالَغَةٌ فِي إثْبَاتِهَا فِي الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَغْلِبُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَقَالَ: «مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟ .

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 470
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست