responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 369
لَا بُدَّ لِهَذَا الضَّابِطِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ، ثُمَّ قَدْ افْتَرَقَ حُكْمُهُمْ، فَإِنَّ الْمَجُوسَ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَغَيْرُهُمْ لَا يُقِرُّ بِهَا، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ، وَمُعْتَقِدَاتِهِمْ، وَآرَائِهِمْ، يَسْتَحِلُّ بَعْضُهُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَكَانُوا مِلَلًا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ، رَوَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ مِلَلًا مُخْتَلِفَةً. وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.

[فَصْلٌ أَهْلَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَة يَتَوَارَثُونَ]
(4948) فَصْلٌ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي، أَنَّ الْمِلَّةَ الْوَاحِدَةَ يَتَوَارَثُونَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دِيَارُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ مِنْ النُّصُوصِ تَقْتَضِي تَوْرِيثَهُمْ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَخْصِيصِهِمْ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِمْ قِيَاسٌ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهَا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى.» أَنَّ أَهْلَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ يَتَوَارَثُونَ. وَضَبْطُهُ التَّوْرِيثَ بِالْمِلَّةِ وَالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّوْرِيثِ مَوْجُودٌ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْمَانِعِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فِي مَنْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَقُتِلَ، أَنَّهُ يُبْعَثُ بِدِيَتِهِ إلَى مَلِكِهِمْ حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى الْوَرَثَةِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ كَانَ مَعَ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ فَسَلِمَ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَوَجَدَ رَجُلَيْنِ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الْحَيِّ الَّذِي قَتَلُوهُمْ، وَكَانَا أَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمَانٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَمْرٌو، فَقَتَلَهُمَا، فَوَدَاهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ بَعَثَ بِدِيَتِهِمَا إلَى أَهْلِهِمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي، أَنَّهُ لَا يَرِثُ حَرْبِيٌّ ذِمِّيًّا، وَلَا ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا مُنْقَطِعَةٌ، فَأَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ فَيَرِثُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ، وَأَهْلُ دَارِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَا يَرِثُهُ الذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّ دَارَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَرِثُ أَهْلُ الْحَرْبِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ دِيَارُهُمْ، أَوْ اخْتَلَفَتْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا اخْتَلَفَتْ دِيَارُهُمْ، بِحَيْثُ كَانَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مَلِكٌ، وَيَرَى بَعْضُهُمْ قَتْلَ بَعْضٍ، لَمْ يَتَوَارَثَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ، أَشْبَهَ أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ، فَجَعَلُوا اتِّفَاقَ الدَّارِ، وَاخْتِلَافَهَا ضَابِطًا لِلتَّوْرِيثِ، وَعَدَمِهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا كُلِّهِ حُجَّةً مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِعُمُومِ النَّصِّ الْمُقْتَضِي لِلتَّوْرِيثِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا الدِّينَ فِي اتِّفَاقِهِ، وَلَا اخْتِلَافِهِ، مَعَ وُرُودِ الْخَبَرِ فِيهِ، وَصِحَّةِ الْعِبْرَةِ فِيهَا، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفْت الدَّارُ بِهِمْ، فَكَذَلِكَ الْكُفَّارَ. وَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ كَافِرًا، وَلَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا؛ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ بِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَا يَرِثُ مُخْتَلِفَا الدِّينِ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 6  صفحه : 369
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست