responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 2  صفحه : 480
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] .
وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ، طَالَبَهُمْ بِالزَّكَاةِ، وَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهَا، وَقَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا. وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى هَذَا، وَلِأَنَّ مَا لِلْإِمَامِ قَبْضُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَلَنَا، عَلَى جَوَازِ دَفْعِهَا بِنَفْسِهِ أَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ الْجَائِزِ تَصَرُّفُهُ.
فَأَجْزَأهُ، كَمَا لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى غَرِيمِهِ، وَكَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الزَّكَاةِ، فَأَشْبَهَ النَّوْعَ الْآخَرَ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَخْذَهَا. وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَمُطَالَبَةُ أَبِي بَكْرٍ لَهُمْ بِهَا، لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُؤَدُّوهَا إلَى أَهْلِهَا، وَلَوْ أَدَّوْهَا إلَى أَهْلِهَا لَمْ يُقَاتِلْهُمْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِي إجْزَائِهِ، فَلَا تَجُوزُ الْمُقَاتَلَةُ مِنْ أَجْلِهِ، وَإِنَّمَا يُطَالِبُ الْإِمَامُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَالنِّيَابَةِ عَنْ مُسْتَحِقِّيهَا، فَإِذَا دَفَعَهَا إلَيْهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ، فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْيَتِيمِ.
وَأَمَّا وَجْهُ فَضِيلَةِ دَفْعِهَا بِنَفْسِهِ، فَلِأَنَّهُ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، مَعَ تَوْفِيرِ أَجْرِ الْعِمَالَةِ، وَصِيَانَةِ حَقِّهِمْ، عَنْ خَطَرِ الْخِيَانَةِ، وَمُبَاشَرَةِ تَفْرِيجِ كُرْبَةِ مُسْتَحِقِّهَا، وَإِغْنَائِهِ بِهَا، مَعَ إعْطَائِهَا لِلْأَوْلَى بِهَا؛ مِنْ مَحَاوِيجِ أَقَارِبِهِ، وَذَوِي رَحِمِهِ، وَصِلَةِ رَحِمِهِ بِهَا، فَكَانَ أَفْضَلَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ آخِذُهَا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْكَلَامُ فِي الْإِمَامِ الْعَادِلِ، إذْ الْخِيَانَةُ مَأْمُونَةٌ فِي حَقِّهِ. قُلْنَا: الْإِمَامُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُفَوِّضُهُ إلَى نُوَّابِهِ، فَلَا تُؤْمَنُ مِنْهُمْ الْخِيَانَةُ، ثُمَّ رُبَّمَا لَا يَصِلُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ الَّذِي قَدْ عَلِمَهُ الْمَالِكُ مِنْ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِصِلَتِهِ وَصَدَقَتِهِ وَمُوَاسَاتِهِ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ أَخْذَ الْإِمَامِ يُبَرِّئُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قُلْنَا: يَبْطُلُ هَذَا بِدَفْعِهَا إلَى غَيْرِ الْعَادِلِ؛ فَإِنَّهُ يُبَرِّئُهُ أَيْضًا، وَقَدْ سَلَّمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَفْضَلَ، ثُمَّ إنَّ الْبَرَاءَةَ الظَّاهِرَةَ تَكْفِي. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ تَزُولُ بِهِ التُّهْمَةُ. قُلْنَا: مَتَى أَظْهَرَهَا زَالَتْ التُّهْمَةُ، سَوَاءٌ أَخْرَجَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ دَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ دَفْعَهَا إلَى الْإِمَامِ، سَوَاءٌ كَانَ عَادِلًا أَوْ غَيْرَ عَادِلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ، وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهَا سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ تَتْلَفْ، أَوْ صَرَفَهَا فِي مَصَارِفِهَا أَوْ لَمْ يَصْرِفْهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ نَائِبٌ عَنْهُمْ شَرْعًا فَبَرِئَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إذَا قَبَضَهَا لَهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَيْضًا فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 2  صفحه : 480
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست